التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

لقد كان بعد ذلك أن سافر إخوة يوسف إلى مصر ، ومعهم " بنيامين " الشقيق الأصغر ليوسف ، والتقوا هناك بيوسف ، وتكشف هذا اللقاء عن أحداث مثيرة ، زاخرة بالانفعالات والمفاجآت والمحاورات . . . التي حكاها القرآن في قوله - تعالى - :

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ . . . } .

قوله - سبحانه - { وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ . . . } شروع في بيان ما دار بين يوسف - عليه السلام - وبين شقيقه " بنيامين " بعد أن حضر مع إخوته .

وقوله { آوى } من الإِيواء بمعنى الضم . يقال : آوى فلان فلانا إذا ضمه إلى نفسه ، ويقال : تأوت الطير وتآوت ، إذا تضامت وتجمعت .

وقوله { فَلاَ تَبْتَئِسْ } : افتعال من البؤس وهو الشدة والضر . يقال بَئِس - كسَمِع - فلان بؤساً وبئوساً ، إذا اشتد حزنه وهمه .

والمعنى : وحين دخل إخوة يوسف عليه ، ما كان منه إلا أن ضم إليه شقيقه وقال له مطمئناً ومواسياً : إنى أنا أخوك الشقيق . فلا تحزن بسبب ما فعله إخوتنا معنا من الحسد والأذى ، فإن الله - تعالى - قد عوض صبرنا خيراً ، وأعطانا الكثير من خيره وإحسانه .

قال الإِمام ابن كثير : يخبر الله - تعالى - عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه " بنيامين " وأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته وأفاض عليهم الصلاة والإِحسان ، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه وما جرى له وقال : { فَلاَ تَبْتَئِسْ } أى : لا تأسف على ما صنعوا بى ، وأمره بتمان هذا عنهم ، وأن لا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده معززاً مكرماً معظماً .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

يخبر تعالى عن إخوة يوسف لما قدموا على يوسف ومعهم أخوه شقيقه بنيامين ، فأدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته ، وأفاض عليهم الصلة والإلطاف والإحسان ، واختلى بأخيه فأطلعه على شأنه ، وما جرى له ، وعَرّفه أنه أخوه ، وقال له : " لا تبتئس " أي : لا تأسف على ما صنعوا بي ، وأمره بكتمان ذلك عنهم ، وألا يطلعهم على ما أطلعه عليه من أنه أخوه ، وتواطأ معه أنه سيحتال على أن يبقيه عنده ، مُعزّزًا مكرما معظما .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّيَ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولما دخل ولد يعقوب على يوسف ، آوَى إلَيْهِ أخاهُ يقول : ضمّ إليه أخاه لأبيه وأمه ، وكلّ أخوه لأبيه . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السّدّي : وَلَمّا دَخَلُوا على يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ أخاهُ قال : عرف أخاه ، فأنزلهم منزلاً ، وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل جاءهم بُمُثل ، فقال : لينم كلّ أخوين منكم على مِثال فلما بقي الغلام وحده ، قال يوسف : هذا ينام معي على فراشي . فبات معه ، فجعل يوسف يشُمّ ريحه ، ويضمه إليه حتى أصبح ، وجعل رُوبيل يقول : ما رأينا مثل هذا ، أريحونا منه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما دخلوا ، يعني ولد يعقوب على يوسف ، قالوا : هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به ، قد جئناك به فذكر لي أنه قال لهم : قد أحسنتم وأصبتم ، وستجدون ذلك عندي ، أو كما قال . ثم قال : إني أراكم رجالاً ، وقد أردت أن أكرمكم ، ودعا ضافته ، فقال : أنزل كل رجلين على حدة ، ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال : إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان ، فسأضمه إليّ ، فيكون منزله معي . فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتى ، وأنزل أخاه معه ، فآواه إليه ، فلما خلا به قالَ إنّي أنا أخُوكَ أنا يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بشيء فعلوه بنا فيما مضى ، فإن الله قد أحسن إلينا ، ولا تعلمهم شيئا مما أعلمتك . يقول الله : وَلمّا دَخَلُوا على يُوسُفَ آوَى إلَيه أخاهُ قالَ إنّي أنا أخُوكَ فَلا فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَمّا دَخَلُوا على يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ أخاهُ ضمه إليه وأنزله ، وهو بنيامين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه ، يقول ، وسئل عن قول يوسف : وَلَمّا دَخَلُوا على يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ أخاهُ قالَ إنّي أنا أخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ كيف أجابه حين أخِذ بالصواع ، وقد كان أخبره أنه أخوه وأنتم تزعمون أنه لم يزل متنكرا لهم يكايدهم ، حتى رجعوا ، فقال : إنه لم يعترف له بالنسبة ، ولكنه قال : أنا أخوك مكان أخيك الهالك ، فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : لا يحزنك مكانه .

وقوله : فَلا تَبْتَئِسْ يقول : فلا تستكِنْ ولا تحزن ، وهو : «فلا تفتعل » من «البؤس » ، يقال منه : ابتأس يبتئس ابتئاسا .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلا تَبْتَئِسْ يقول : فلا تحزن ، ولا تيأس .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : فَلا تَبْتَئِسْ يقول : لا يحزنك مكانه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : لا تحزن على ما كانوا يعملون .

فتأويل الكلام إذن : فلا تحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أمك ، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

{ ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه } ضم إليه بنيامين على الطعام أو في المنزل روي : ( أنه أضافه فأجلسهم مثنى مثنى فبقي بنيامين وحيدا فبكى وقال : لو كان أخي يوسف حيا لجلس معي ، فأجلسه معه على مائدته ثم قال : لينزل كل اثنين منكم بيتا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده وقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، قال : من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه و{ قال إني أنا أخوك فلا تبتئس } فلا تحزن افتعال من البؤس . { بما كانوا يعملون } في حقنا فيما مضى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

وقوله تعالى : { ولما دخلوا على يوسف } الآية . المعنى أنه لما دخل إخوة يوسف عليه ورأى أخاه شكر ذلك لهم - على ما روي - وضم إليه أخاه وآواه إلى نفسه . ومن هذه الكلمة المأوى . وكان بنيامين شقيق يوسف فآواه . وصورة ذلك - على ما روي عن ابن إسحاق وغيره - أن يوسف عليه السلام أمر صاحب ضيافته أن ينزلهم رجلين رجلين ، فبقي يامين وحده ، فقال يوسف : أنا أنزل هذا مع نفسي ، ففعل وبات عنده ؛ وقال له : { إني أنا أخوك } واختلف المتأولون في هذا اللفظ فقال ابن إسحاق وغيره : أخبره بأنه أخوه حقيقة واستكتمه ، وقال له : لا تبال بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم . وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بقوله : { بما كانوا يعملون } إلى ما يعمله فتيان يوسف ، من أمر السقاية ونحو ذلك{[6749]} ؛ ويحتمل أن يشير إلى ما عمله الإخوة قديماً . وقال وهب بن منبه : إنما أخبره أنه أخوه في الود مقام أخيه الذاهب ، ولم يكشف إليه الأمر بل تركه تجوز عليه الحيلة كسائر إخوته . و { تبتئس } - تفتعل - من البؤس ، أي لا تحزن ولا تهتم ، وهكذا عبر المفسرون .


[6749]:اعترض أبو حيان في البحر على كلام ابن عطية، قال: "ولا يحتمل ذلك، لأنه لو كان التركيب "بما يعملون " بغير "كانوا" لأمكن على بعده، لأن الكلام إنما هو مع إخوة يوسف، وأما ذكر فتيانه فبعيد جدا، لأنهم لم يتقدم لهم ذكر إلا في قوله: {وقال لفتيانه}، وقد حال بينهما قصص، واتسق الكلام مع الإخوة اتساقا لا ينبغي أن يعدل فيه عن ضمير عائد إليهم، وإن ذلك إشارة إلى ما كان يلقى منهم قديما من الأذى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَخَاهُۖ قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (69)

موقع جملة { ولما دخلوا على يوسف } كموقع جملة { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم } [ سورة يوسف : 68 ] في إيجاز الحذف .

والإيواء : الإرجاع . وتقدم في قوله تعالى : { أولئك مأواهم النار } في سورة يونس ( 8 ) .

وأطلق الإيواء هنا مجازاً على الإدناء والتقريب كأنه إرجاع إلى مأوى ، وإنما أدناه ليتمكن من الإسرار إليه بقوله : إني أنا أخوك } .

وجملة { قال إني أنا أخوك } بدل اشتمال من جملة { آوى إليه أخاه } . وكلمه بكلمة مختصرة بليغة إذ أفاده أنه هو أخوه الذي ظنه أكلَه الذئب . فأكد الخبر ب ( إنّ ) وبالجملة الإسمية وبالقصر الذي أفاده ضمير الفصل ، أي أنَا مقصور على الكون أخاك لا أجنبي عنك ، فهو قصر قلب لاعتقاده أن الذي كلّمه لا قرابة بينه وبينه .

وفرّع على هذا الخبر { فلا تبتئس بما كانوا يعملون } . والابتئاس : مطاوعة الإبئاس ، أي جَعْل أحد بائساً ، أي صاحب بؤس .

والبؤس : هو الحزن والكدر . وتقدم نظير هذا التركيب في قصة نوح عليه السلام من سورة هود . والضميران في { كانوا } و { يعملون } راجعان إلى إخوتهما بقرينة المقام ، وأراد بذلك ما كان يجده أخوه ( بنيامين ) من الحزن لهلاك أخيه الشقيق وفظاظة إخوته وغيرتهم منه .

والنهي عن الابتئاس مقتضضٍ الكفّ عنه ، أي أزلْ عنك الحزن واعتْضْ عنه بالسرور .

وأفاد فعل الكون في المضي أن المراد ما عَملوه فيما مضى . وأفاد صوغ { يعملون } بصيغة المضارع أنه أعمال متكررة من الأذى . وفي هذا تهيئة لنفس أخيه لتلقي حادث الصُّوَاع باطمئنان حتى لا يخشى أن يكون بمحل الريبة من يوسف عليه السلام .