ثم بين - سبحانه - بعد ذلك المادة التي خلق منها الجان فقال - سبحانه - : { والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم } والمراد بالجان هنا : أبو الجن عند جمهور المفسرين . وقيل هو إبليس . وقيل هو اسم لجنس الجن . وسمى جانا لتواريه عن الأعين ، واستتاره عن بنى آدم .
أى : والجان خلقناه { من قبل } أى : من قبل خلق آدم { مِن نَّارِ السموم } أى : من الريح الحارة التي تقتل . وسميت سموماً ، لأنها لشدة حرارتها ، وقوة تأثيرها تنفذ في مسام البدن .
قال ابن كثير : وقد ورد في الحديث الصحيح : " خُلِقت الملائكة من نور ، وخُلِقت الجان من مارج من نار ، وخُلق بنو آدم مما وصف لكم " .
وقوله : { وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ } أي : من قبل الإنسان { مِنْ نَارِ السَّمُومِ } قال ابن عباس : هي السموم التي تقتل .
وقال بعضهم : السموم بالليل والنهار . ومنهم من يقول : السموم بالليل ، والحرور بالنهار .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : دخلت على عَمْرو الأصم أعوده ، فقال : ألا أحدّثك حديثا سمعته من عبد الله بن مسعود ، يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق{[16151]} منها الجان ، ثم قرأ : { وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ }{[16152]}
وعن ابن عباس : أن الجان خُلق من لهب النار ، وفي رواية : من أحسن النار .
وعن عمرو بن دينار : من نار الشمس ، وقد ورد في الصحيح : " خُلقت الملائكة من نور ، وخُلقت الجان من مارج من نار ، وخُلق بنو آدم مما وصِف لكم " {[16153]} ومقصود الآية : التنبيه على شرف آدم ، عليه السلام ، وطيب عنصره ، وطهارة مَحْتده{[16154]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْجَآنّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِ السّمُومِ } .
يقول تعالى ذكره : والجانّ وقد بيّنا فيما مضى معنى الجانّ ولم قيل له جان . وعُني بالجانّ ههنا : إبليس أبا الجنّ . يقول تعالى ذكره : وإبليس خلقناه من قبل الإنسان من نار السموم ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : والجانّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وهو إبليس خلقُ قبل آدم . وإنما خلق آدم آخر الخلق ، فحسده عدوّ الله إبليس على ما أعطاه الله من الكرامة ، فقال : أنا ناريّ ، وهذا طيني ، فكانت السجدة لاَدم والطاعة لله تعالى ذكره ، فقال : اخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيمٌ .
واختلف أهل التأويل في معنى : نارِ السّمُومِ فقال بعضهم : هي السموم الحارّة التي تقتل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في قوله : والجانّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال : السموم الحارّة التي تقتل .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحِمّانيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق التيمي ، عن ابن عباس : والجانّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال : هي السموم التي تقتل فأصَابَها إعْصَارٌ فيه نَارٌ فاحْتَرَقَتْ قال : هي السموم التي تقتل .
وقال آخرون : يعني بذلك من لهب النار . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : والجانّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ قال : من لهب من نار السموم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان ، عن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجنّ ، خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة . قال : وخُلقت الجنّ الذين ذُكروا في القرآن من مارج من نار .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : دخلت على عمرو بن الأصمّ أعوده ، فقال : ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله ؟ سمعت عبد الله يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خرج منها الجانّ . قال : وتلا : والجانّ خَلَقْناهُ منْ قَبْلُ مِنْ نارِ السّمُومِ .
وكان بعض أهل العربية يقول : السموم بالليل والنهار . وقال بعضهم : الحَرُور بالنهار ، والسموم بالليل ، يقال : سَمّ يومُنا يَسَمّ سَمُوما .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت وهب بن منبه ، وسئل عن الجنّ ما هم ، وهل يأكلون أو يشربون ، أو يموتون ، أو يتناكحون ؟ قال : هم أجناس ، فأما خالص الجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون . ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون ، وهي هذه التي منها السعالِي والغُول وأشباه ذلك .
{ والجان } أبا الجن . وقيل إبليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإنسان ، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها وانتصابه بفعل يفسره . { خلقناه من قبل } من قبل خلق الإنسان . { من نار السّموم } من نار الحر الشديد النافذ في المسام ، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة ، فضلا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري ، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي ، وقوله : { من نار } باعتبار الغالب كقوله : { خلقتكم من تراب } ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول للجمع والإحياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.