التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا} (84)

ثم بين - عز وجل - أن هؤلاء الكافرين قد استحوذت عليهم الشياطين فزادتهم كفرا على كفرهم ، فقال - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ أَزّاً فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } .

والاستفهام للتقرير والتأكد و { تَؤُزُّهُمْ } تحركهم تحريكا قويا . وتهزهم هزا شديداً ، وتحرضهم على ارتكاب المعاصى والموبقات حتى يقعوا فيها .

يقال : أز فلان الشىء يئزه ويؤزه . . . بكسر الهمزة وضمها أزا ، إذا حركه بشدة ، وأز فلان فلانا ، إذا أغراه وهيجه وحثه على فعل شىء معين ، وأصله من أزت القدر تؤز أزيزا ، إذا اشتد غليان الماء فيها .

والمعنى : لقد علمت أنت وأتباعك أيها الرسول الكريم ، أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ، وسلطناهم عليهم ، وقيضناهم لهم ، لكى يحضوهم على ارتكاب السيئات ، ويحركوهم تحريكا شديداً نحو الموبقات حتى يقترفوها وينغمسوا فيها . . .

وما دام الأمر كذلك . فذرهم فى طغيانهم يعمهون ، ولا تتعجل وقوع العذاب بهم . فإن الله - تعالى - قد حدد - بمقتضى حكمته - وقتا عينا لنزول العذاب بهم .

وقوله : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } يعنى الأيام والليالى والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب . . . وقال الضحاك : نعد أنفسهم وقال قطرب : نعد أعمالهم عدا .

روى أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه ، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ، ولم يكن له مدد ، فما أسرع ما تنفد ، وقيل فى هذا المعنى :

حياتك أنفاس تعد فكلما . . . مضى نفس منك انتقصت به جزءا

يميتك ما يحييك فى كل ليلة . . . ويحدوك حاد ما يريد به الهزءا

وكان ابن عباس - رضى الله عنهما - إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : آخر العدد : خروج نفسك . آخر العدد : فراق أهلك آخر العدد : دخول قبرك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا} (84)

وقوله : { فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } أي : لا تعجل يا محمد على هؤلاء في وقوع العذاب بهم ، { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } أي : إنما نؤخرهم لأجل معدود مضبوط ، وهم صائرون لا محالة إلى عذاب الله ونكاله ، { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] ، { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } [ الطارق : 17 ] { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } [ آل عمران : 178 ] ، { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] ، { قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ } [ إبراهيم : 30 ] .

قال السدي : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } السنين ، والشهور ، والأيام ، والساعات .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } قال : نعد أنفاسهم في الدنيا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا} (84)

وقوله : فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول عزّ ذكره : فلا تعجل على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك ، يا محمد إنما تعدّ لهم عدّا يقول : فإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما ، ونحن نعدّ أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها ، ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير أردناه بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّما تَعُدّ لَهُمْ عَدّا يقول : أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا ، فهي معدودة كسنهم وآجالهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا} (84)

{ فلا تعجل عليهم } بأن يهلكوا حتى تستريح أنت والمؤمنون من شرورهم وتطهر الأرض من فسادهم . { إنما نعد لهم } أيام آجالهم . { عدا } والمعنى لا تعجل بهلاكهم فإنه لم يبق له إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة .