الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَلَا تَعۡجَلۡ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمۡ عَدّٗا} (84)

" فلا تعجل عليهم " أي تطلب العذاب لهم . " إنما نعد لهم عدا " قال الكلبي : آجالهم يعني الأيام والليالي والشهور والسنين إلى انتهاء أجل العذاب ، وقال الضحاك : الأنفاس . ابن عباس : أي نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم . وقيل : الخطوات . وقيل : اللذات . وقيل : اللحظات وقيل : الساعات . وقال قطرب : نعد أعمالهم عدا . وقيل : لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثما ، روي أن المأمون قرأ هذه السورة فمر بهذه الآية وعنده جماعة من الفقهاء ، فأشار برأسه إلى ابن السماك أن يعظه فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد وقيل في هذا المعنى :

حياتُك أنفاسٌ تُعدُّ فكلما *** مَضَى نَفَسٌ منك انتقصت به جُزْءا

يميتك ما يحيك في ليلة *** ويحدُوك حاد ما يريد به الهُزْءَا

ويقال : إن أنفاس ابن آدم بين اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس اثنا عشر ألف نفس في اليوم واثنا عشر ألفا في الليلة والله أعلم . فهي تعد وتحصى إحصاء ، ولها عدد معلوم ، وليس لها مدد فما أسرع ما تنفد .