التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ثم واصلت السورة الكريمة تسليتها للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أمرته بالصبر ، وذكرت له - بشئ من التفصيل - قصص بعض الأنبياء - عليهم السلام - وبدأت بقصة داود - عليه السلام - الذى آتاه الله الملك والنبوة قال - تعالى - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر . . . } .

الخطاب فى قوله - تعالى - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ . . . } للنبى صلى الله عليه وسلم ، أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على ما قاله أعدؤك فيك وفى دعوتك لقد قالوا عنك إنك ساحر ومجنون وكاهن وشاعر . . وقالو عن القرآن الكريم : إنه أساطير الأولين . . وقالوا فى شأن دعوتك إياهم إلى وحدانية الله - تعالى - { مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق } وقالوا غير ذلك مما يدل على جهلهم وجحودهم للحق ، وعليك - أيها الرسول الكريم - أن تصبر على ما صدر منهم من أباطيل ، فإن الصبر مفتاح الفرج ، وهو الطريق الذى سلكه كل نبى من قبلك .

وقال - سبحانه - : { اصبر على مَا يَقُولُونَ } بصيغة المضارع ، لاستحضار الصورة الماضية . وللإِشعار بأن ما قالوه فى الماضى سيجددونه فى الحاضر وفى المستقبل فعليه أن يعد نفسه لاستقبال هذه الأقوال الباطلة بصبر وسعة صدر حتى يحكم الله - تعالى - بحكمه العادل ، بينه وبينهم .

وقوله - تعالى - : { واذكر عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ } معطوف على جملة { واصبر } . .

وداود - عليه السلام - : هو ابن يسى من سبط " يهوذا " بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وكانت ولادة داود فى حوالى القرن الحادى عشر قبل الميلاد . وقد منحه الله - تعالى - النبوة والملك .

وقوله - تعالى - { ذَا الأيد } صفة لداود ، والأَيْد : القوة . يقال : آدَ الرجل يئيد أَيْداً وإيادا ، إذا قوى واشتد عوده ، فهو أَيِّد . ومنه قولهم فى الدعاء : أيدك الله . أى : قواك و { أَوَّابٌ } صيغة مبالغة من آب إذا رجع .

أى : اصبر - أيها الرسول الكريم - على أذى قومك حتى يحكم الله بينك وبينهم واذكر - لتزداد ثباتا وثقة - قصة وحال عبدنا داود ، صاحب القوة الشديدة فى عبادتنا وطاعتنا وفى دحر أعدائنا . . { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أى : كثير الرجوع إلى ما يرضينا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرا له بالصبر على أذاهم ومبشرا له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر .

يذكر تعالى عن عبده ورسوله داود عليه السلام : أنه كان ذا أيد والأيد : القوة في العلم والعمل .

قال ابن عباس وابن زيد والسدي : الأيد : القوة وقرأ ابن زيد : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ]

وقال مجاهد : الأيد : القوة في الطاعة .

وقال قتادة : أعطي داود عليه السلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام ، وقد ذكر لنا أنه عليه السلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر .

وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى » وإنه كان أوابا ، وهو الرجاع إلى الله عز وجل في جميع أموره وشئونه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { اصْبِر عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأيْدِ إِنّهُ أَوّابٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك ، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك ، ثم جاعلو العلوّ والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقّك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا ، فاذكره ذا الأيد ويعني بقوله : ذَا الأَيْدِ ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( دَاوُد ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ذَا الأَيْد ) : قال : ذا القوّة في طاعة الله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنا دَاوُدَ ذَا الأَيْد ) : قال : أعطي قوّة في العبادة ، وفقها في الإسلام .

وقد ذُكر لنا أن داود صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : ذا القوّة في طاعة الله .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ ) : قال : ذا القوّة في عبادة الله ، الأيد : القوّة ، وقرأ : ( والسّماءَ بَنَيْناها بأَيْدٍ ) : قال : بقوّة .

وقوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : يقول : إن داود رَجّاع لما يكرهه الله إلى ما يرضيه أوّاب ، وهو من قولهم : آب الرجل إلى أهله : إذا رجع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : رجاع عن الذنوب .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الراجع عن الذنوب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أنّهُ أوّابٌ ) : أي كان مطيعا لله كثير الصلاة .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : المسبّح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنّهُ أوّابٌ ) : قال : الأوّاب التوّاب الذي يؤوب إلى طاعة الله ويرجع إليها ، ذلك الأوّاب ، قال : والأوّاب : المطيع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

{ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود } واذكر لهم قصته تعظيما للمعصية في أعينهم ، فإنه مع علو شأنه واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات لما أتى صغيرة نزل عن منزلته ووبخه الملائكة بالتمثيل والتعريض حتى تفطن فاستغفر ربه وأناب فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان ، أو تذكر قصته وصن نفسه أن تزل فيلقاك ما لقيه من المعاتبة على إهمال عنان نفسه أدنى إهمال . { ذا الأيد } ذا القوة يقال فلان أيد وذو أيد وآد وأياد بمعنى . { إنه أواب } رجاع إلى مرضاة الله تعالى ، وهو تعليل ل { الأيد } ودليل على أن المراد به القوة في الدين ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم نصف الليل .