{ بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا } أى : أن ما يحدث للأرض يومئذ ، إنما هو بأمر إلهى خاص . بأن قال لها : كونى كذلك ، فكانت كما قال لها .
وعدى فعل " أوحى " باللام مع أن حقه أن يتعدى بإلى كما فى قوله - تعالى - { وأوحى رَبُّكَ إلى النحل } لتضمينه معنى " قال " كما فى قوله - سبحانه - { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } ، والمعنى : إن الأرض تحدث الناس عن أخبارها ، وتبينها لهم ، وتشهد عليهم . . . بسبب أن ربك الذى خلقك فسواك فعدلك - أيها الإِنسان - قد أمرها بذلك .
وقوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا } قال البخاري : أوحى لها وأوحى إليها ، ووحى لها ووحى إليها : واحد{[30388]} وكذا قال ابن عباس : { أَوْحَى لَهَا } أي : أوحى إليها .
والظاهر أن هذا مُضَمَّن [ بمعنى ]{[30389]} أذن لها .
وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : قال لها ربها : قولي ، فقالت .
وقال مجاهد : { أَوْحَى لَهَا } أي : أمرها . وقال القُرَظي : أمرها أن تنشق عنهم .
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه .
وأما سعيد بن جُبير ، فإنه كان يقول في ذلك ما :
حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّىءُ أخْبارَها » ومرة : تُحَدّثُ أخْبارَها .
فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبىء ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها ، فألقَت ما فيها وتخلّت .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها .
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّىءُ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : ما عمل عليها من خير أو شرّ ، { بأن ربك أوحى لها } ، قال : أعلمها ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخبْارَها } قال : ما كان فيها ، وعلى ظهرها من أعمال العباد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : تخبر الناس بما عملوا عليها .
وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها . ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس { أوْحَى لَهَا } قال : أوحى إليها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول : يوحي الله إليها بأن تحدث أخبارها ، وأيضا : إن ربك أوحى لها بالكلام ، فذلك قوله :{ أوحى لها } ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه ...
عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّئ أخْبارَها » ومرة : "تُحَدّثُ أخْبارَها" ، فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبئ ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } ...
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّئ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ ...
وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها .
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها : معناه أوحى إليها بأن ألهمها فأطاعت ...
الثاني : يعني قال لها ، قاله السدي .
أحدهما : أوحى لها بأن تحدث أخبارها .
ويحتمل ثالثاً : أوحى لها بأن تزلزل زلزالها . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي أوحى إليها بمعنى ألقى إليها من جهة تخفى ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت : بم تعلقت الباء في قوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ } ؟ قلت : بتحدّث ، معناه : تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها ، وأمره إياها بالتحديث . ويجوز أن يكون المعنى : يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها ، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
أي إن ما يكون للأرض يومئذ إنما هو بأمر إلهي خاص ، فيقول لها : كوني خرابا ، كما قال لها حين بدء النشأة الأولى : كوني أرضا ، وإنما سمى ذلك وحيا ؛ لأنه أتى على خلاف ما عهد منذ نشأة الأرض ، قاله الأستاذ الإمام . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقوله : { بأن ربك أوحى لها } يجوز أن يتعلق بفعل { تحدث } والباء للسببيَّة ، أي تحدث أخبارها بسبب أن الله أمرها أن تحدث أخبارها .
ويجوز أن يكون بدلاً من { أخبارها } وأظهرت الباء في البدل لتوكيد تعدية فعل { تحدث } إليه ، وعلى كلا الوجهين قد أجملت أخبارها وبينها الحديث السابق .
وأطلق الوحي على أمر التكوين ، أي أوجَدَ فيها أسباب إخراج أثقالها فكأنه أسرَّ إليها بكلام كقوله تعالى : { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً } [ النحل : 68 ] الآيات . «
وعُدي فعل { أوحى } باللام لتضمين { أوحى } معنى قال كقوله تعالى : { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً } [ فصلت : 11 ] ، وإلا فإن حق { أوحى } أن يتعدى بحرف ( إلى ) .
والقول المضمَّن هو قول التكوين قال تعالى : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل : 40 ] .
وإنما عُدل عن فعل : قال لها إلى فعل { أوحى لها } لأنه حكاية عن تكوين لا عن قول لفظي .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فما فعلته الأرض إنّما كان بوحي ربّها ، وهي لا تتوانى في تنفيذ أمر الرّب . وعبارة «أوحى » إنّما هي لبيان أنّ حديث الأرض خلاف طبيعتها ، ولا يتيسر ذلك سوى عن طريق الوحي الإلهي . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.