المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا} (5)

وقوله تعالى : { بأن ربك أوحى لها } الباء باء السبب ، وقال ابن عباس وابن زيد والقرظي : المعنى : { أوحى لها } ، وهذا الوحي على هذا التأويل يحتمل أن يكون وحي إلهام ، ويحتمل أن يكون وحياً برسول من الملائكة ، وقد قال الشاعر :

أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت{[11937]}

والوحي في كلام العرب إلقاء المعنى إلقاء خفياً ، وقال بعض المتأولين : { أوحى لها } معناه : { أوحى } إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال ، وقوله تعالى : { لها } بمعنى : من أجلها ، ومن حيث الأفعال فيها فهي لها .


[11937]:هذان بيتان من الرجز قالهما العجاج يصف الأرض، وهما مع القصيدة في الديوان، وفي كتاب (شعراء النصرانية بعد الإسلام) وفي مجاز القرآن، والبحر المحيط، والقرطبي، وروح المعاني وفي الأغاني، لكن الألفاظ وترتيب الأبيات يختلف عما هنا، وقد ذكر صاحب الأغاني أن العجاج أنشد أبا هريرة قوله الذي وصف فيه الخالق سبحانه وأعماله ويوم الحساب وأهواله، فقال له أبو هريرة: أشهد أنك تؤمن بيوم الحساب، والأبيات هي: الحمد لله الذي تعلت بأمره السماء واستقلت بإذنه الأرض وما تعنت أرسى عليها بالجبال الثبت وحى لها القرار فاستقرت رب البلاد والعباد الُقَّنِت والشاهد هنا أن (وحى لها) و (أوحى لها) بمعنى: أوحى إليها، لأن العرب تضع اللام موضع "إلى".