التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ} (23)

وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين } معطوف - أيضا - على قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } فهو من جملة المقسم عليه .

والمقصود بهذه الرؤية : رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لجبريل - عليه السلام - لأول مرة ، على الهيئة التى خلقه الله عليها ، عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد فى غار حراء ، وكان صلى الله عليه وسلم قد سأل جبريل أن يريه نفسه ، على الهيئة التى خلقه الله - تعالى - عليها .

والأفق : هو الفضاء الواسع الذى يبدو للعين ما بين السماء والأرض .

والمبين : وصف للأفق ، أى : بالأفق الواضح البين ، الذى لا تشتبه معه المرئيات .

والمعنى : ووالله لقد رأى صاحبكم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل ، بصورته التى خلقه الله عليها ، بالأفق الواضح البين ، الذى لا تلتبس فيه المرئيات ، ولا مجال فيه للأوهام والتخيلات .

والمقصود من الآية الكريمة الرد على المشركين الذين كانوا إذا أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه رأى جبريل . كذبوه واستهزءوا به ، وتأكيد أن هذه الرؤية كانت حقيقة واقعة ، لا مجال معها للتشكيك أو اللبس .

قال الإِمام ابن كثير : وقوله - تعالى - { وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين } يعنى : ولقد رأى محمد جبريل الذى يأتيه بالرسالة عن الله - عز وجل - وعلى الصورة التى خلقه الله عليها ، له ستمائه جناح { بالأفق المبين } أى : البين ، وهى الرؤية الأولى التى كانت بالبطحاء - أى بالمكان المجاور لغار حراء . وهى المذكورة فى قوله - تعالى - : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى . ذُو مِرَّةٍ فاستوى . وَهُوَ بالأفق الأعلى . ثُمَّ دَنَا فتدلى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى . فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى . . . }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ} (23)

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } يعني : ولقد رأى محمدٌ جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح { بِالأفُقِ الْمُبِينِ } أي : البين ، وهي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء ، وهي المذكورة في قوله : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إَلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } [ النجم : 5 - 10 ] ، كما تقدم تفسيرُ ذلك وتقريره . والدليلُ أن المرادَ بذلك جبريل ، عليه السلام . والظاهر - والله أعلم - أن هذه السورة نزلت قبل ليلة الإسراء ؛ لأنه لم يذكر فيها إلا هذه الرؤية وهي الأولى ، وأما الثانية وهي المذكورة في قوله : { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى } [ النجم : 13 - 16 ] ، فتلك إنما ذكرت في سورة " النجم " ، وقد نزلت بعد[ سورة ]{[29793]} الإسراء .


[29793]:- (1) زيادة من م.