التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ} (45)

وقوله - سبحانه - { إن المتقين . . . } كلام مستأنف لإِظهار حسن عاقبة المتقين ، بعد بيان سوء عاقبة الغاوين .

والمتقون : جمع متق اسم فاعل من اتقى . وأصله اوتقى - بزنة افتعل - من وقى الشىء وقاية ، أى : صانه وحفظه مما يضره ويؤذيه .

والجنات : جمع جنة ، وهى كل بستان ذى شجر متكاثف ، ملتف الأغصان ، يظلل ما تحته ويستره . من الجن وهو ستر الشىء عن الحاسة . .

والمراد بها هنا الدار التي أعدها الله - تعالى - لتكريم عباده المؤمنين في الآخرة .

والعيون جمع عين . والمقصود بها هنا المياه المنتشرة في الجنات .

والمعنى : { إن المتقين } الذين صانوا أنفسهم عن الشرك . وقالوا ربنا الله ثم استقاموا { فى جنات } عالية ، فيها ما تشتهيه الأنفس ، وفيها منابع للماء تلذ لها الأعين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ} (45)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه، فتجنبوا معاصيه "في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ "يقال لهم: "ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ" من عقاب الله، أو أن تُسلبوا نعمة الله عليكم وكرامة أكرمكم بها.

"وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ" يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض... عن ابن عيينة: "وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ" قال: من عداوة.

واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم، فقال بعضهم: ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة...

وقال بعضهم: ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {في جنات وعيون} أي بساتين، والبساتين هي التي التفت بالأشجار والنخيل، والعيون قد تكون جارية في الدنيا، وقد تكون غير جارية. فأخبر في آية أخرى أن عيون الآخرة تكون جارية بقوله: {فيها عينان تجريان} (الرحمن: 50).

{وعيون} قال بعضهم: ذكر العيون ليعلم أن مياه الجنة ليست تكون من الثلوج والأنهار العظام على ما تكون في الدنيا، ولكن تنبع فيها. وقال بعضهم: ذكر العيون لأنه ينبع في بستان كل أحد عين على حدة، لا تأتي بستانه من ملك آخر ومن بستان آخر على ما يكون في الدنيا، ولكن تنبع في جنة كل أحد عين على حدة على ما أراد الله، ليس أنها تتصل بالأرض كما ذكر في قصة بني إسرائيل: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينات} (البقرة: 60) أن [شاء] الله في ذلك الحجر ماء، يخرج لهم على غير اتصاله بالأرض.

ولكن بلطفه ينشئ فيه ماء، فعلى ذلك في الجنان التي وعد. ويشبه أن يكون ذكر هذا لما تختلف رغائب الناس في الدنيا: منهم من يرغب في العين، ويتلذذ بالنظر إليها، ومنهم من يرغب في النهر الجاري، فذكر مرة العيون ومرة الأنهار كقوله: {تجري من تحتها الأنهار} (البقرة: 25 و...) على ما ذكر مرة الخيام والقباب [ومرة] الغرف وأنواع الفرش والبسط والكيزان والأكواب والجواري والغلمان وغير ذلك على ما يرغب الناس في الدنيا: منهم من يرغب في نوع لا يرغب في نوع آخر، فذكر فيها كل ما يرغبون في الدنيا ليبعثنهم ذلك على العمل الذي به يوصل إلى ذلك..

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

لما أخبر الله تعالى عن الكفار أن مستقرهم جهنم، ووصف جهنم، أخبر -ههنا – ما للمتقين، فقال "إن للمتقين "الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته "جنات" وهي البساتين التي تنبع فيها المياه، كما تفور من الفوارة، ثم يجري في مجاريه، وإنما يشوقهم إلى الثواب بالجنان، لأنها من أسباب لذات الدنيا المؤدية إليها، كما أن النار من أسباب الآلام لمن حصل فيها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المتقي على الإطلاق: من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهى عنه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{إن المتقين} أي العريقين في هذا الوصف؛ والمتقي: من جعل الإيمان بإخلاصه حاجزاً بينه وبين العقاب..

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والمتقون هم الذين يرقبون الله ويقون أنفسهم عذابه وأسبابه. ولعل العيون في الجنات تقابل في المشهد تلك الأبواب في جهنم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والمتقي هو الذي يحول بين ما يحب وما يكره؛ ويحاول ألا يصيب من يحب ما يكره. وتتعدى التقوى إلى متقابلاتٍ، فنجد الحق سبحانه يقول: {اتقوا الله ويعلمكم الله} (سورة البقرة 282) ويقول أيضاً: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} (سورة البقرة 24) وقلنا من قبل: إن الحق سبحانه له صفات جلال، وصفات كمال وجمال. يهب بصفات الكمال والجمال العطايا، ويهب بصفات الجلال البلايا؛ فهو غفار، وهو قهار، وهو عفو، وهو منتقم. وعلينا أن نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية؛ وأن نجعل بيننا وبين صفات الجمال قربى؛ والطريق أن نتبع منهجه؛ فلا ندخل النار التي هي جند من جنود الله.

وهنا يقول الحق سبحانه: {إن المتقين في جنات وعيون} وهم الذين لم يرتكبوا المعاصي بعد أن آمنوا بالله ورسوله واتبعوا منهجه. وإن كانت المعصية قد غلبت بعضهم، وتابوا عنها واستغفروا الله؛ فقد يغفر الله لهم، وقد يبدل سيئاتهم حسناتٍ...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} الذين اتقوا الله في ما فكروا به، فلم يفكروا إلا خيراً، وفي ما تكلموا به، فلم ينطقوا إلا بحق، وفي ما عملوه، فلم يعملوا إلا بطاعة الله، وإذا طاف بهم الشيطان في بعض أمورهم، فإنهم يفتحون عيونهم على الله، فتزول الغشاوة عنهم، ويبصرون الصراط المستقيم في وضوحٍ من الرؤية، ويلتقون بالإيمان في سلامةٍ من التفكير، هؤلاء الذين عاشوا الحياة من مواقع المسؤولية عندما عاشوها في ساحات التقوى، أعد الله لهم جناته التي تتفجر فيها الينابيع بالماء الصافي صفاء نفوسهم، العذب عذوبة مشاعرهم، وأعطاهم فيها روح السلام.

أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :

الكلمات: {إن المتقين}: أي الذين خافوا ربهم فعبدوه بما شرع لهم من العبادات.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(إِنّ المتقين في جنات وعيون) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساساً لها، وهي الخوف من اللّه والورع والالتزام، فهي إِذن.. جامعة لكافة صفات الكمال الإنساني.