التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

ثم حكى - سبحانه - بعض أقوالهم بعد نزول العذاب بهم فقال : { وَنَادَوْاْ يا مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } .

والمراد بذلك سؤال خازن النار واللام فى قوله { لِيَقْضِ } لام الدعاء .

أى : وبعد أن طال العذاب على هؤلاء الكافرين ، نادوا فى ذلة واستجداء قائلين لخازن النار : يا مالك ادع لنا ربك كى يقضى علينا ، بأن يميتنا حتى نستريح من هذا العذاب .

فالمراد بالقضاء هنا : الإِهلاك والإِماتة ، ومنه قوله - تعالى - : { فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ . . . } أى : فأهلكه .

وفى هذا النداء ما فيه من الكرب والضيق ، حتى إنهم ليتمنون الموت لكى يستريحوا مما هم فيه من عذاب .

وهنا يجيئهم الرد بما يزيدهم غما على غمهم ، وهو قوله - تعالى - : { قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } أى : قال مالك فى الرد عليهم : إنكم ماكثون فيه بدون موت يريحكم من عذابها ، وبدون حياة تجدون معها الراحة والأمان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

57

ثم تتناوح في الجو صيحة من بعيد . صيحة تحمل كل معاني اليأس والكرب والضيق :

( ونادوا : يا مالك . ليقض علينا ربك ) . .

إنها صيحة متناوحة من بعد سحيق . من هناك من وراء الأبواب الموصدة في الجحيم . إنها صيحة أولئك المجرمين الظالمين . إنهم لا يصيحون في طلب النجاة ولا في طلب الغوث . فهم مبلسون يائسون . إنما يصيحون في طلب الهلاك . الهلاك السريع الذي يريح . . وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا ! . . وإن هذا النداء ليلقي ظلاً كثيفاً للكرب والضيق . وإننا لنكاد نرى من وراء صرخة الاستغاثة نفوساً أطار صوابها العذاب ، وأجساماً تجاوز الألم بها حد الطاقة ، فانبعثت منها تلك الصيحة المريرة : ( يا مالك . ليقض علينا ربك ) !

ولكن الجواب يجيء في تيئيس وتخذيل ، وبلا رعاية ولا اهتمام :

( قال : إنكم ماكثون ) !

فلا خلاص ولا رجاء ولا موت ولا قضاء . . إنكم ما كثون !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ} (77)

جملة { ونادوا } حال من ضمير { وهم فيه مبلسون } [ الزخرف : 75 ] ، أو عطف على جملة { وهم فيه مبلسون } . وحكي نداؤهم بصيغة الماضي مع أنه مما سيقع يوم القيامة ، إما لأن إبلاسهم في عذاب جهنم وهو اليأس يكون بعد أن نادوا يا مالك وأجابهم بما أجاب به ، وذلك إذا جعلت جملة { ونادوا } حالية ، وإمّا لتنزيل الفعل المستقبل منزلة الماضي في تحقيق وقوعه تخريجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر نحو قوله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور } [ النمل : 87 ] { فصَعِق مَن في السماوات ومَن في الأرض } [ الزمر : 68 ] وهذا إن كانت جملة { ونادوا } الخ معطوفة .

و ( مالك ) المنادى اسم الملَك الموكّل بجهنم خاطبوه ليرفع دعوتهم إلى الله تعالى شفاعة .

واللام في { ليقض علينا ربك } لام الأمر بمعنى الدعاء . وتوجيه الأمر إلى الغائب لا يكون إلا على معنى التبليغ كما هنا ، أو تنزيل الحاضر منزلة الغائب لاعتبار مَّا مثل التعظيممِ في نحو قول الوزير للخليفة : لِيَرَ الخليفة رأيه .

والقضاء بمعنى : الإماتة كقوله : { فوكزه موسى فقضَى عليه } [ القصص : 15 ] ، سألوا الله أن يزيل عنهم الحياة ليستريحوا من إحساس العذاب . وهم إنما سألوا الله أن يميتهم فأجيبوا بأنهم ماكثون جواباً جامعاً لنفي الإماتة ونفي الخروج فهو جواب قاطع لما قد يسألونه من بعدُ .

ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما روي أن ابن مسعود قرأ ( ونادَوا يا مَالِ ) بحذف الكاف على الترخيم ، فذكرت قراءته لابن عباس فقال : مَا كان أشغلَ أهلَ النار عَن الترخيم ، قال في « الكشاف » : وعن بعضهم : حسَّن الترخيم أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وعظم ما هم فيه اهـ . وأراد ببعضهم ابنَ جني فيما ذكره الطِّيبي أن ابن جنّي قال : وللترخيم في هذا الموضع سرّ وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفتْ وذلّتْ أنفُسهم وصغر كلامهم فكان هذا من مواضع الاختصار . وفي « صحيح البخاري » عن يَعْلَى بن أمية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر { ونادوا يا مالك } بإثبات الكاف . قال ابن عطية : وَقِرَاءَةُ ( ونادوا يا مال ) رواها أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالوجهين وتواترت قراءة إثبات الكاف وبقيت الأخرى مروية بالآحاد فلم تكن قرآناً .