التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما فى يمينه ، قال - تعالى - : { فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً قالوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى } .

قال الآلوسى : " والفاء فى قوله { فَأُلْقِيَ . . . } فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح " .

أى : فزال الخوف ، وألقى موسى ما في يمينه ، وصارت حية ، وتلقفت حبالهم وعصيهم ، وعلم السحرة أن ذلك معجزة ، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى .

. .

والحق أن التعبير بقوله - تعالى - : { فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً . . . } يدل على قوة البرهان الذى عاينوه ، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التى عاينوها ، وأطلق - سبحانه - عليهم اسم السحرة فى حال سجودهم له - تعالى - وإيمانهم به ، نظرا إلى حالهم الماضية .

وهكذا النفوس النقية عندما يتبين لها الحق ، لا تلبث أن تفىء إليه ، وتستجيب لأهله . قال الكرخى : خروا ساجدين لله لأنهم كانوا فى أعلى طبقات السحر ، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم ، عرفوا أنه ليس من السحر البتة .

وقال صاحب الكشاف : " ما أعجب أمرهم ، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود . ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود . فما أعظم الفرق بين الإلقاءين " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

( فألقي السحرة سجدا . قالوا : آمنا برب هارون وموسى ) . .

إنها اللمسة تصادف العصب الحساس فينتفض الجسم كله . وتصادف " الزر الصغير " فينبعث النور ويشرق الظلام . إنها لمسة الإيمان للقلب البشري تحوله في لحظة من الكفر إلى الإيمان .

ولكن أنى للطغاة أن يدركوا هذا السر اللطيف ? أنى لهم أن يدركوا كيف تتقلب القلوب ? وهم قد نسوا لطول ما طغوا وبغوا ، ورأوا الأتباع ينقادون لإشارة منهم ، نسوا أن الله هو مقلب القلوب ؛ وأنها حين تتصل به وتستمد منه وتشرق بنوره لا يكون لأحد عليها سلطان :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

{ فألقي السحرة سجدا } أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر وإنما هو آية من آيات الله ومعجزة من معجزاته ، فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا لله توبة عما صنعوا وإعتابا وتعظيما لما رأوا . { قالوا آمنا برب هارون وموسى } قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية ، أو لأن فرعون ربى موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع . روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة ومنازلهم فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

الفاء عاطفة على محذوف يدلّ عليه قوله { وألق ما في يمينك } [ طه : 69 ] . والتقدير : فألقى فتلقفت ما صنعوا ، كقوله تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } [ الشعراء : 63 ] .

والإلقاء : الطرح على الأرض . وأسند الفعل إلى المجهول لأنّهم لا ملقي لهم إلاّ أنفسهم ، فكأنّه قيل : فألقوا أنفسهم سُجّداً ، فإنّ سجودهم كان إعلاناً باعترافهم أنّ موسى مرسل من الله . ويجوز أن يكون سجودهم تعظيماً لله تعالى .

ويجوز أن يكون دلالة على تغلب موسى عليهم فسجدوا تعظيماً له .

ويجوز أن يريدوا به تعظيم فرعون ، جعلوه مقدمة لقولهم { ءَامَنَّا بِرَبّ هارون وموسى } حذراً من بطشه .

وسُجّد : جمع ساجد .

وجملة { قَالُوا } يصح أن تَكون في موضع الحال ، أي ألقَوْا قائلين . ويصح أن تكون بدل اشتمال من جملة { فَأُلقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً } فإن سجودهم اشتمل على إيمانهم ، وأن تكون مستأنفة ابتدائية لافتتاح المحاورة بينهم وبين فرعون .

وإنما آمنوا بالله حينئذ لأنّهم أيقنوا أن ما جرى على يد موسى ليس من جنس السحر لأنّهم أيمّة السحر فعلموا أنّه آية من عند الله .

وتعبيرهم عن الرب بطريق الإضافة إلى هارون وموسى لأن الله لم يكن يعرف بينهم يومئذ إلا بهذه النسبة لأن لهم أرباباً يعبدونها ويعبدها فرعون .

وتقديم هارون على موسى هنا وتقديم موسى على هارون في قوله تعالى في سورة الأعراف ( 121 ، 122 ) : { قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } لا دلالة فيه على تفضيل ولا غيره ، لأنّ الواو العاطفة لا تفيد أكثر من مطلق الجمع في الحكم المعطوف فيه ، فهم عرفوا الله بأنه ربّ هذين الرجلين ؛ فحكي كلامهم بما يدلّ على ذلك ؛ ألا ترى أنه حكي في سورة الأعراف ( 121 ) قول السحرة { قالوا آمنا برب العالمين } ، ولم يحك ذلك هنا ، لأن حكاية الأخبار لا تقتضي الإحاطة بجميع المحكي وإنما المقصود موضع العبرة في ذلك المقام بحسب الحاجة .

ووجه تقديم هارون هنا الرعاية على الفاصلة ، فالتقديم وقع في الحكاية لا في المحكي ، إذ وقع في الآية الأخرى { قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } [ الشعراء : 47 ، 48 ] . ويجوز أن يكون تقديم هارون في هذه الآية من حكاية قول السحرة ، فيكون صدر منهم قولان ، قدموا في أحدهما اسم هارون اعتباراً بكبر سنّه ، وقدموا اسم موسى في القول الآخر اعتباراً بفضله على هارون بالرسالة وكلام الله تعالى ، فاختلاف العبارتين باختلاف الاعتبارين .