اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

قوله : { فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً }{[25566]} لما ألْقَى ما في يمينه ، وصار حيَّةً ، وتلقف{[25567]} ما صنعوا ، وظهر الأمر ، خروا عند ذلك سجداً ، لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر ، فلما رأوا ما فعل{[25568]} موسى - عليه السلام{[25569]}- خارجاً عن صناعتهم عرفوا أنه ليس من السحر ألبتّة ، روي أن رئيسهم قال : كُنَّا نغلِبُ الناسَ بالسحر ، وكانت ( الآلات ){[25570]} تبقى علينا ، فلو كان هذا سحراً فأيْنَ ما ألقيناه ؟ فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القادر العالم ، وبظهوره{[25571]} على يد موسى - عليه السلام{[25572]}- على كونه رسولاً صادقاً من عند الله فلا جرم تابوا وآمنوا وأتوا بما هو النهاية في الخضوع وهو السجود . قال الأخفش : إنهم في سرعة ما سجدوا كأنهم خروا . قال الزمخشري : ما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم{[25573]} للكفر والحجود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين . روي أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة ، والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، وعن عكرمة : لما خروا سُجَّداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة{[25574]} .

قال القاضي : هذا بعيد ، لأنهم لو أراهم عياناً لصاروا ملجئين ، وذلك لا يليق به{[25575]} قولهم : { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا{[25576]} لِيَغْفِرَ لَنَا }{[25577]} .

وأجيب : أنه{[25578]} لما جاز لإبراهيم{[25579]} مع{[25580]} قطعه بكونه مغفوراً له أن يقول{[25581]} : { والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي }{[25582]} فلم لا يجوز في حق السحرة{[25583]} ؟

قوله : { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى }{[25584]} احتج التعليمية{[25585]} بهذه الآية وقالوا{[25586]} : إنَّهم آمَنُوا بالله الذي عرفوه من{[25587]} قِبَل هارون وموسى ، وفي الآية فائدتان :

الفائدة{[25588]} الأولى : أنَّ فرعون ادَّعى الربوبية في قوله : { أَنَا رَبُّكُمْ }{[25589]} . والإلهية في قوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي }{[25590]} فلو{[25591]} قالوا : آمَنَّا بربِّ العالمين ، لكان فرعون يقول : إنهم آمنوا بي لا بغيري ، فلقطع هذه التهمة اختاروا هذه العبارة ، ويدل عليه تقديمهم ذكر هارون على مُوسى ، لأن فرعون كان يدعي ربوبية موسى ( بناء على أنه ربَّاه ){[25592]} ، وقال : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً }{[25593]} فالقوم لما احترزوا على إيهامات ( فرعون قدموا ذكر هارون على موسى قطعاً لهذا الخيال .

الفائدة الثالثة : هي أنهم لما شاهدوا ){[25594]} ما خصهما الله تعالى به من المعجزات العظيمة{[25595]} والدرجات الشريفة قالوا : { رَبِّ هَارُونَ وموسى }{[25596]} .


[25566]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/86.
[25567]:في ب: وتلقفت. وهو تحريف.
[25568]:في ب: ألقى.
[25569]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[25570]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25571]:في ب: وتحويلها وبظهورها.
[25572]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[25573]:ي ب: حبالهم وعصيهم.
[25574]:لكشاف 2/440 – 441.
[25575]:في ب: لهم. وهو تحريف.
[25576]:"بربنا": سقط من ب.
[25577]:في ب: "لنا خطايانا" [طه: 73].
[25578]:في الأصل: لأنه.
[25579]:في ب: لإبراهيم عليه الصلاة والسلام.
[25580]:في ب: مع كونه.
[25581]:في ب: بقوله. وهو تحريف.
[25582]:من قوله تعالى: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [الشعراء: 82].
[25583]:آخر ما نقله عن الفخر الرازي 22/86.
[25584]:في ب: قوله: برب العالمين. رب موسى وهارون} [الأعراف: 121،122].
[25585]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 2/87. ولم أجد فيما رجعت إليه من كتب الفرق والمذاهب من ذكر التعليمية.
[25586]:ي ب: وقال. وهو تحريف.
[25587]:من: سقط من ب.
[25588]:الفائدة: سقط من ب.
[25589]:في ب: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24].
[25590]:[القصص: 38].
[25591]:في ب: فلوا. وهو تحريف.
[25592]:ما بين القوسين في ب: كونه رباه.
[25593]:[الشعراء: 18].
[25594]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25595]:ي ب: من الوحي والمعجزات العظيمة.
[25596]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/87.