البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

وقرأت فرقة أين أتى وبعد هذا جمل محذوفة ، والتقدير فزال إيجاس الخيفة وألقى ما في يمينه وتلقفت حبالهم وعصيهم ثم انقلبت عصا ، وفقدوا الحبال والعصي وعلموا أن ذلك معجز ليس في طوق البشر { فَأُلْقِي السحرة سجداً } وجاء التركيب { فألقي السحرة } ولم يأت فسجدوا كأنه جاءهم أمر وأزعجهم وأخذهم فصنع بهم ذلك ، وهو عبارة عن سرعة ما تأثروا لذلك الخارق العظيم فلم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين .

وقدم موسى في الأعراف وأخر هارون لأجل الفواصل ولكون موسى هو المنسوب إليه العصا التي ظهر فيها ما ظهر من الإعجاز ، وأخر موسى لأجل الفواصل أيضاً كقوله { لكان لزاماً وأجل مسمى } وأزواجاً من نبات إذا كان شتى صفة لقوله أزواجاً ولا فرق بين قام زيد وعمرو وقام عمرو وزيد إذ الواو لا تقتضي ترتيباً على أنه يحتمل أن يكون القولان من قائلين نطقت طائفة بقولهم رب موسى وهارون ، وطائفة بقولهم : رب هارون وموسى ولما اشتركوا في المعنى صح نسبة كل من القولين إلى الجميع .

وقيل : قدم { هارون } هنا لأنه كان أكبر سناً من { موسى } .

وقيل لأن فرعون كان ربَّى موسى فبدؤوا بهارون ليزول تمويه فرعون أنه ربى موسى فيقول أنا ربيته .

وقالوا : رب هارون وموسى ولم يكتفوا بقولهم برب العالمين للنص على أنهم آمنوا { برب } هذين وكان فيما قبل يزعم أنه رب العالمين .