فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ} (70)

{ فألقي السحرة } أي فألقى ذلك الأمر الذي شاهدوه من موسى والعصي إياهم { سجدا } لله تعالى ، وذلك لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر ، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم ، عرفوا أنه ليس من السحر البتة ، وقد مر تحقيق هذا في سورة الأعراف .

قال صاحب الكشاف : سبحان الله ما أعجب أمرهم ، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقائيين ؛ وقيل أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب { قالوا آمنا برب هارون وموسى } إنما قدم هرون على موسى هنا في حكاية كلامهم ، وأخر في الشعراء رعاية الفواصل الآي وعناية بتوافق رؤوسها ؛ ولأن الواو لا توجب ترتيبا .

قال عكرمة : إن سحرة فرعون كانوا تسعمائة ، فقالوا لفرعون : إن يكن هذان ساحرين فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا ، وإن كانا من رب العالمين ، فإنه لا طاقة لنا برب العالمين ، فلما كان من أمرهم أن خروا سجدا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة ، فعندها قالوا هذا القول ، وقالوا أيضا : { لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } إلى قوله : { والله خير وأبقى } .