التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

ثم حكى - سبحانه - ما رد به الكافرون على خزنة جهنم فقال : { قَالُواْ بلى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌفَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ . . } .

أي : قال الكافرون - على سبيل التحسر والتفجع - فى ردهم على خزنة جهنم : بلى لقد جاءنا المنذر الذي أنذرنا وحذرنا من سوء عاقبة الكفر . . ولكننا كذبناه ، وأعرضنا عن دعوته ، بل وتجاوزونا ذلك بأن قلنا له على سبيل العناد والجحود والغرور : ما نزل الله على أحد من شئ من الأشياء التى تتلوها علينا ، وتأمرنا بها ، أو تنهانا عن مخالفتها .

وقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } يحتمل أنه من كلام الكافرين لرسلهم الذين أنذروهم وحذروهم من الإصرار على الكفر .

أي : جاءنا الرسل الذين أنذرونا . . فكذبناهم ، وقلنا لهم : ما نزل الله من شئ من الأشياء على ألسنتكم . . وقلنا لهم - ما أنتم إلا فى ضلال كبير ، أي : في ذهاب واضح عن الحق ، وبعدٍ شديد عن الصواب .

ويحتمل أن يكون من كلام الملائكة ، أي : قال لهم الملائكة على سبيل التجهيل والتوبيخ : ما أنتم - أيها الكافرون - إلا في ضلال كبير ، بسبب تكذيبكم لرسلكم ، وإعراضكم عمن حذركم وأنذركم .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } من المخاطبون به ؟

قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين ، على أن النذير بمعنى الإِنذار . والمعنى : ألم يأتكم أهل نذير : أو وصف به منذروهم لغلوهم في الإِنذار ، كأنهم ليسوا إلا إنذارا . .

ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا ، أو أرادوا بالضلال : الهلاك . . .

وجمع - سبحانه - الضمير في قوله { إِنْ أَنتُمْ . . . } مع أن الملائكة قد سألوهم { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } بالإفراد ، للإشعار بأن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بتكذيب النذير الذي أنذرهم ، بل كذبوه وأتباعه الذين آمنوا به .

فكأن كل فوج منهم كان يقول للرسول الذى جاء لهدايته : أنت وأتباعك فى ضلال كبير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

والجواب في ذلة وانكسار واعتراف بالحمق والغفلة ، بعد التبجح والإنكار واتهام الرسل بالضلال :

( قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا ، وقلنا : ما نزل الله من شيء . إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ! ) . .

فالذي يسمع أو يعقل ، لا يورد نفسه هذا المورد الوبيء . ولا يجحد بمثل ما جحد به أولئك المناكيد . ولا يسارع باتهام الرسل بالضلال على هذا النحو المتبجح الوقح ، الذي لا يستند في الإنكار إلى دليل . ثم ينكر ويدعي ذلك الادعاء العريض على رسل الله الصادقين يقول : ( ما نزل الله من شيء : إن أنتم إلا في ضلال كبير ) !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ} (9)

قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ، أي فكذبنا الرسل وأفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال والإرسال رأسا ، وبلغنا في نسبتهم إلى الضلال ، فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل ، أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار ، أو منعوت به للمبالغة ، أو الواحد والخطاب له ولأمثاله على التغليب ، أو إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل ، أو على المعنى قالت الأفواج : قد جاء إلى كل فوج منا رسول من الله فكذبناهم وضللناهم . ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول ، فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا ، أو عقابه الذي يكونون فيه .