ويؤيد هذا القول قوله - تعالى - : { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } أى : فلنخبرنهم بما فعلوا إخبارا ناشئا عن علم منا .
قال بعض العلماء : " والذى يهمنا هنا ، أن نقرر أن هذا السؤال لم يكن سؤال استفهام ولا استخبار ، وإنما هو سؤال تبكيت وتنديد ، فليس في السائل مظنة أن يجهل ، ولا في المسئول مظنة أن ينكر ، وهو تصوير لما يكون من شعور المكذبين بتكذيبهم ، وشعور المرسلين بتبليغهم ، وهو نوع من تسجيل الحجة على من أنكرها وأعرض عنها في الوقت الذي كان يجديه الإققال عليها والإيمان بها ، وهو نوع من زيادة الحسرة ، وقطع الآمال في النجاة بوضع يد المجرم على جسم جريمته ، وهو في الوقت نفسه نوع من زيادة الأمن و الطمأنينة للرسل في القيام بدعوتهم وتبليغهم ما أمروا بتبليغه ، ولعل كل ذلك يرشد إليه قوله - تعالى - : { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } .
وقال ابن عباس : { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يوضع الكتاب يوم القيامة ، فيتكلم بما كانوا يعملون ، { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يعني : أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا ، من قليل وكثير ، وجليل وحَقِير ؛ لأنه تعالى شهيد على كل شيء ، لا يغيب عنه شيء ، ولا يغفل عن شيء ، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] .
وقوله تعالى : { فلنقصن } أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة ، { بعلم } أي بحقيقة ويقين ، قال ابن عباس : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون .
قال القاضي أبو محمد : يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد ، { وما كنا غائبين } أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالاً .
الفاء في قوله : { فلنقصن عليهم } للتفريع والتّرتيب على قوله : { فلنسألن } ، أي لنسألنّهم ثمّ نخبرهم بتفصيل ماأجمله جوابهم ، أي فلنقصّنّ عليهم تفاصيل أحوالهم ، أي فعِلْمُنا غَنِي عن جوابهم ولكن السّؤال لغرض آخر .
وقد دلّ على إرادة التّفصيل تنكيرُ علم في قوله : { بعلم } أي علم عظيم ، فإنّ تنوين ( عِلم ) للتعظيم ، وكمالُ العلم إنّما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة ، وزاد ذلك بياناً قولُه : { وما كنا غائبين } الذي هو بمعنى : لا يعزب عن علمنا شيء يغيب عنّا ونغيب عنه .
والقَصّ : الاخبار ، يقال : قصّ عليه ، بمعنى أخبره ، وتقدّم في قوله تعالى : { يقص الحقّ } في سورة الأنعام ( 57 ) .
وجملة : { وما كنا غائبين } معطوف على { فلنقصن عليهم بعلم } ، وهي في موقع التّذييل .
والغائب ضدّ الحاضر ، وهو هنا كناية عن الجاهل ، لأنّ الغيبة تستلزم الجهالة عرفاً ، أي الجهالة بأحوال المَغيب عنه ، فإنّها ولو بلغتْه بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد ، أي : وما كنّا جاهلين بشيء من أحوالهم ، لأنّنا مطّلعون عليهم ، وهذا النّفي للغيبة مثل إثبات المعيَّة في قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } [ الحديد : 4 ] .
وإثباتُ سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى : { ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون } [ القصص : 78 ] وقوله { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] لأنّ المسؤول عنه هنا هو التّبليغ والمنفيَّ في الآيتين الآخريين هو السّؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم وهو الذي أريد هنا قوله : { وما كنا غائبين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.