وقوله - سبحانه - : { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى } توبيخ آخر لهم على جهلهم ، وبيان لسبب التوبيخ والتهكم . . .
ولفظ " ضيزى " بمعنى جائرة وظالمة . يقال : ضاز فلان فى حكمه ، إذا جار وظلم ولم يراع القسط فى أقواله وأفعاله ، ويقال : ضاز فلان فلانا حقه ، إذا بخسه ونقصه . .
قال الجمل ما ملخصه : قرأ الجمهور { ضيزى } من ضازه يضيزه . إذا جار عليه ، فمعنى " ضيزى " جائرة . وعلى هذا فتحتمل وجهين : أحدهما أن تكون صفة على " فعلى " ، - بضم الفاء - وإنما كسرت الفاء لتصح الياء كبيض - جمع أبيض - .
وثانيهما : أن تكون من ضأزه بالهمزة كقراءة ابن كثير ، إلا أن الهمزة قد خففت . . ومعنى ضأزه يضأزه : نقصه .
أى : أجعلتم لله - تعالى - البنات ، وجعلتم لأنفسكم البنين ، مع تفضيلكم للبنين على البنات ، ومع اعترافكم بأن الله - تعالى - هو الخالق لكم ولكل شىء .
إن فعلكم هذا لهو فى غاية الجور والظلم ، لأنكم نسبتم إلى الله - تعالى - وهو خالقكم ما استنكفتم من نسبه لأنفسكم .
فأنت ترى أنه - سبحانه - لم يكتف بوصفهم بالكفر ، بل أضاف إلى ذلك وصفهم بالجور والحمق وانطماس البصيرة .
وجملة : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى } تعليل للإنكار والتوبيخ المستفاد من الاستفهام فى قوله : { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى } .
وقدم - سبحانه - الجار والمجرور فى قوله : { أَلَكُمُ . . } لإفادة التخصيص .
والإشارة بتلك تعود إلى القسمة المفهومة من قوله : { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى } و { إِذاً } فى قوله : { تِلْكَ إِذاً . . . } حرف جواب . أى : إن كان الأمر كما زعمتم ، فقسمتكم إذا قسمة جائرة ظالمة .
فلما ذكر الله هذه المعبودات الثلاثة معجبا منها ومن عبادتها كما تفيد صيغة السؤال ولفظه :
( أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى ? ) . .
والتعجيب والتشهير واضح في افتتاح السؤال : ( أفرأيتم ? )وفي الحديث عن مناة . . الثالثة الأخرى . .
لما ذكر الله هذه المعبودات عقب عليها باستنكار دعواهم أن لله الإناث وأن لهم الذكور :
ألكم الذكر وله الأنثى ? تلك إذن قسمة ضيزى . .
مما يوحي بأن لهذه المعبودات صلة بأسطورة أنوثة الملائكة ، ونسبتها إلى الله سبحانه . مما يرجح ما ذكرناه عنها . وقد كانوا هم يكرهون ولادة البنات لهم . ومع هذا لم يستحيوا أن يجعلوا الملائكة إناثا - وهم لا يعلمون عنهم شيئا يلزمهم بهذا التصوير . وأن ينسبوا هؤلاء الإناث إلى الله !
والله - سبحانه - يأخذهم هنا بتصوراتهم وأساطيرهم ؛ ويسخر منها ومنهم : ( ألكم الذكر وله الأنثى ? ) . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألكم الذكر وله الأنثى} حين قالوا: إن الملائكة بنات الله...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ألَكُمُ الذّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى "يقول: أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه، ولله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم.
"تِلكَ إذا قِسْمَةٌ ضِيزَى" يقول جلّ ثناؤه: قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية، ناقصة غير تامة، لأنكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لأنفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه، والعرب تقول: ضِزته حقه -بكسر الضاد- وضُزته –بضمها- فأنا أضيزه وأضوزه، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته... وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "قِسْمَةٌ ضِيزَى" قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنها، فقال بعضهم: قِسْمة عَوْجاء... وقال آخرون: قسمة جائرة... وقال آخرون: قسمة منقوصة... وقال آخرون: قسمة مخالفة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
يقول الله تعالى على وجه الانكار على كفار قريش الذين أضافوا إلى الله تعالى الملائكة بأنهم بنات الله، فقال لهم: كيف يكون ذلك وأنتم لو خيرتم لاخترتم الذكر على الأنثى، فكيف تضيفون إليه تعالى ما لا ترضون لأنفسكم، فقد أخطأتم في ذلك من وجهين: أحدهما -أنكم أضفتم إليه ما يستحيل عليه ولا يليق به، فهو قسم فاسد غير جائز. الثاني- أنكم أضفتم اليه ما لا ترضون لأنفسكم، فكيف ترضونه لله تعالى.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ألكم الذكر وله الأنثى}، أي النوع المستحسن المحبوب هو لكم وموجود فيكم؟ والمذموم المستثقل عندكم هو له –بزعمكم-، ثم قال تعالى على جهة الإنكار.
فقال لهم كيف جعلتم لله بنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون، والله كامل العظمة فالمنسوب إليه كيف جعلتموه ناقصا وأنتم في غاية الحقارة والذلة حيث جعلتم أنفسكم أذل من حمار وعبدتم صخرة وشجرة ثم نسبتم إلى أنفسكم الكامل، فهذه القسمة جائزة على طريقكم أيضا حيث أذللتم أنفسكم ونسبتم إليها الأعظم من الثقلين وأبغضتم البنات ونسبتموهن إلى الأعظم وهو الله تعالى وكان على عادتكم أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير، فإذن أنتم خالفتم الفكر والعقل والعادة التي لكم...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت {قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي: جورا باطلة، فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فلما ذكر الله هذه المعبودات الثلاثة معجبا منها ومن عبادتها كما تفيد صيغة السؤال ولفظه:
(أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى؟)..
والتعجيب والتشهير واضح في افتتاح السؤال: (أفرأيتم؟) وفي الحديث عن مناة.. الثالثة الأخرى..
لما ذكر الله هذه المعبودات عقب عليها باستنكار دعواهم أن لله الإناث وأن لهم الذكور:
ألكم الذكر وله الأنثى؟ تلك إذن قسمة ضيزى..
مما يوحي بأن لهذه المعبودات صلة بأسطورة أنوثة الملائكة، ونسبتها إلى الله سبحانه. مما يرجح ما ذكرناه عنها. وقد كانوا هم يكرهون ولادة البنات لهم. ومع هذا لم يستحيوا أن يجعلوا الملائكة إناثا -وهم لا يعلمون عنهم شيئا يلزمهم بهذا التصوير. وأن ينسبوا هؤلاء الإناث إلى الله!
والله- سبحانه -يأخذهم هنا بتصوراتهم وأساطيرهم؛ ويسخر منها ومنهم: (ألكم الذكر وله الأنثى؟)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة {ألكم الذكر وله الأنثى} ارتقاء في الإِبطال والتهكم والتسفيه كما تقدم، وهي مجاراة لاعتقادهم أن تلك الأصنام الثلاثة بنات الله وأن الملائكة بنات الله، أي أجعلتم لله البنات خاصة وأنتم تعلمون أن لكم أولاداً ذكوراً وإناثاً وأنكم تفضلون الذكور وتكرهون الإِناث وقد خصصتم الله بالإِناث دون الذكور والله أولَى بالفضل والكمالِ لو كنتم تعلمون، فكان في هذا زيادة تشنيع لكفرهم إذ كان كفراً وسخافة عقل..