التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

وقوله - تعالى - : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أى : قوينا ملك داود ، عن طريق كثرة الجند التابعين له ، وعن طريق ما منحناه من هيبة ونصرة وقوة . .

{ وَآتَيْنَاهُ الحكمة } أى : النبوة ، وسعة العلم ، وصالح العمل ، وحسن المنطق .

{ وَفَصْلَ الخطاب } أى : وآتيناه أيضا الكلام البليغ الفاصل بين الحق والباطل ، وبين الصواب والخطأ ، ووفقناه للحكم بين الناس بطريقة مصحوبة بالعدل ، وبالحزم الذى لا يشوبه تردد أو تراجع .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

17

( وشددنا ملكه . وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ) . .

فكان ملكه قوياً عزيزاً . وكان يسوسه بالحكمة والحزم جميعاً . وفصل الخطاب قطعه والجزم فيه برأي لا تردد فيه . وذلك مع الحكمة ومع القوة غاية الكمال في الحكم والسلطان في عالم الإنسان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

قوله : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أي : جعلنا له ملكا كاملا من جميع ما يحتاج إليه الملوك . قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : كان أشد أهل الدنيا سلطاناً . وقال السدي : كان يحرسه في كل يوم أربعة آلاف . وقال بعض السلف : بلغني أنه كان حَرَسُه في كل ليلة ثلاثة وثلاثين ألفا لا تدور عليهم النوبة إلى مثلها من العام القابل . وقال غيره : أربعون ألفا مشتملون بالسلاح .

وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم من رواية عِلْباء بن أحمر عن عِكْرِمة عن ابن عباس : أن نفرين من بني إسرائيل استعدى أحدهما على الآخر إلى داود عليه السلام أنه اغتصبه بقراً فأنكر الآخر ، ولم يكن للمدعي بينة فأرجأ أمرهما فلما كان الليل أمر داود عليه السلام ، في المنام بقتل المدعي فلما كان النهار طلبهما وأمر بقتل المدعي فقال : يا نبي الله علام تقتلني وقد اغتصبني هذا بقري ؟ فقال : إن الله عز وجل أمرني بقتلك فأنا قاتلك لا محالة . فقال : والله يا نبي الله إن الله لم يأمرك بقتلي لأجل هذا الذي ادعيت عليه ، وإني لصادق فيما ادعيت ولكني كنت قد اغتلت أباه وقتلته ، ولم يشعر بذلك أحد فأمر به داود عليه السلام فقتل . قال ابن عباس : فاشتدت هيبته في بني إسرائيل وهو الذي يقول الله عز وجل : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } .

وقوله : { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ } : قال مجاهد : يعني : الفهم والعقل والفطنة . وقال مرة : الحكمة والعدل . وقال مرة : الصواب . وقال قتادة : كتاب الله واتباع ما فيه . وقال السدي : { الْحِكْمَةَ } النبوة . وقوله : { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } قال شريح القاضي والشعبي : فصل الخطاب : الشهود والأيمان ، وقال قتادة : شاهدان على المدعي أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذي فصل به الأنبياء والرسل - أو قال : المؤمنون والصالحون - وهو قضاء هذه الأمة إلى يوم القيامة وكذا قال أبو عبد الرحمن السلمي . وقال مجاهد والسدي : هو إصابة القضاء وفهمه . وقال مجاهد أيضا : هو الفصل في الكلام وفي الحكم ، وهذا يشمل هذا كله وهو المراد واختاره ابن جرير .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمر بن شبة النميري حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه عن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال : أول من قال : " أما بعد " داود عليه السلام وهو فصل الخطاب . وكذا قال الشعبي : فصل الخطاب : أما بعد .

قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس - ويزيد وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

{ وشددنا ملكه } وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود ، وقرئ بالتشديد للمبالغة . قيل : إن رجلا ادعى بقرة على آخر وعجز عن البيان ، فأوحى إليه أن اقتل المدعى عليه فأعلمه فقال : صدقت إني قتلت أباه وأخذت البقرة فعظمت بذلك هيبته . { وآتيناه الحكمة } النبوة أو كمال العلم واتقان العمل . { وفصل الخطاب } وفصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل ، أو الكلام المخلص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف ، والإضمار والحذف والتكرار ونحوها ، وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة ، وقيل هو الخطاب القصد الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام الرسول صلى الله عليه وسلم " فصل لا نزر ولا هذر " .