بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

قوله عز وجل : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } يعني : قوّينا حراسه . قال مقاتل والكلبي : كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل . ويقال : قوينا ملكه ، وأثبتناه ، وحفظناه عليه . وروي في الخبر أن غلاماً استعدى على رجل ، وادعى عليه . بقراً فأنكر المدعى عليه ، وقد كان لطمه لطمة حين ادعى عليه ، فسأل داود من الغلام البينة ، فلم يقمها ، فرأى داود في منامه أن الله عز وجل يأمره أن يقتل المدعى عليه ، ويسلم البقر إلى الغلام . فقال داود : هو منام ثم أتاه الوحي بذلك ، فأخبر بذلك بنو إسرائيل ، فجزعت بنو إسرائيل وقالوا : رجل لطم غلاماً لطمة فقتله بذلك . فقال داود عليه السلام : هذا أمر الله تعالى به ، فسكتوا . ثم أحضر الرجل فأخبره أن الله تعالى أمره بقتله . فقال الرجل : صدقت يا نبي الله : إني قتلت أباه غيلة ، وأخذت البقر ، فقتله داود ، فعظمت هيبته ، وشدد ملكه . فلما رأى الناس ذلك جلّ أمره في أعينهم ، وقالوا : إنه يقضي بوحي الله تعالى ، ثم إن الله تعالى أرخى سلسلة من السماء ، وأمره بأن يقضي بها بين الناس ، فمن كان على الحق يأخذ السلسلة ، ومن كان ظالماً لا يقدر على أخذ السلسلة . وقد كان غصب رجل من رجل لؤلؤاً ، فجعل اللؤلؤ في جوف عصاً له ، ثم خاصمه المدعي إلى داود عليه السلام فقال المدعي : إن هذا أخذ مني لؤلؤاً ، وإني لصادق في مقالتي . فجاء ، وأخذ السلسلة ، ثم قال المدعى عليه : خذ مني العصا ، فأخذ عصاه ، وقال : إني قد دفعت إليه اللؤلؤ ، وإني لصادق في مقالتي ، فجاء وأخذ السلسلة . فتحير داود عليه السلام في ذلك ، فرفعت السلسلة ، وأمره بأن يقضي بالبينات والأيمان ، فذلك قوله عز وجل : { وآتيناه الحكمة } يعني : الفهم ، والعلم . ويقال : يعني النبوة { وَفَصْلَ الخطاب } يعني : القضاء بالبينات ، والأيمان . وقال قتادة ، والحسن ؛ { وَفَصْلَ الخطاب } يعني : البينة على الطالب ، واليمين على المطلوب .