اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

قوله : { وَشَدَدْنَا } العامة على تخفيف شددنا أي قَوَّيْنَا ، كقوله : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [ القصص : 35 ] وابنُ أبي عَبْلَةَ والحسن «شَدَّدْنَا » بالتشديد . وهي مبالغة كقراءة العامة ، ومعنى الكلام قويناه بالحرس والجنود .

قال ابن عباس : كان أشد ملوك الأرض سُلطاناً كان يحرس محرابه كل ليلة ستةٌ وثلاثون ألفَ رجلٍ .

قوله : { وَآتَيْنَاهُ الحكمة وَفَصْلَ الخطاب } : أما الحكمة فهي النبوة ، وقيل : العلم والخير ؛ قال تعالى : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] وأما فصل الخطاب فقال بعض المفسرين : إن داود أول من قال في كلامه : أما بعد . وقيل : المراد منه : معرفة الأمور التي بها يفصل بين الخصوم وهو طلب البينة واليمين .

قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لأن فصل الخطاب عبارة عن كونه قادراً على التعبير على كل ما يخطر بالبال ويحضُر في الخيال بحيث لا يخلِط شيئاً بشي وبحيث يفصل كُلّ مقام عن ما يخالفه . هذا معنى عامّ يتناول فصل الخصومات ويتناول الدعوة إلى الدين الحق ويتناول جميع الأقسام والله أعلم .

وروى ابن عباس أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجلٍ من عظمائهم عند داود أن هذا غَصَبني بقراً فسَألَهُ ( داود ) فجَحَد فقال للآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود : قوما حتى النظر في أمركما فأوحى الله إلى داود في منامه أن يقتل الذي استعدى عليه فقال هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأوحى الله إليه ثانيةً فلم يفعل فأوحى الله إليه الثالثة أن يقتله أو تأتيه العقوبة ، فأرسل داود إليه فقال إن الله أوحى إليَّ أن أقتلك ؛ فقال : تقتلني بغير بينة ، فقال داود نعم والله لأنفذنَّ أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال لا تعجل حتى أخبرك إني والله ما أخذت بهذا الذنب ولكن اغتلت والد هذا فقتلته ولذلك أخذت فأمر به داود فقتل فاشتد هيبة داود عند ذلك في قلوب بني إسرائيل ، واشتد به مُلْكه فذلك قوله : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } { وَآتَيْنَاهُ الحكمة } يعني النبوة والإصابة في الأمور ، و «فَصْلَ الْخِطَابِ » قال ابن عباس : بيان الكلام . وقال ابن مسعود والحسن والكلبي ومقاتل : على الحكم بالقضاء ، وقال علي بن أبي طالب : هو أن البينة على المدَّعِي واليمين على من أنكر ؛ لأن كلام الخصوم ينقطع وينفصل به ، ويروى ذلك عن أبي بن كعب قال : فصل الخطاب الشهود والأيْمَان .

وقال مجاهد وعطاء بن أبي رباح عن الشعبي : فصل الخطاب هو قول الإنسان بعد حمد الله والثناء عليه : أما بعد إذا أراد الشروع في كلام آخر .