البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ} (20)

وقرأ الجمهور : { وشددنا } ، مخففاً : أي قوينا ، كقوله : { سنشد عضدك بأخيك } والحسن ، وابن أبي عبلة : بشد الدال ، وهي عبارة شاملة لما وهبه الله تعالى من قوة وجند ونعمة ، فالتخصيص ببعض الأشياء لا يظهر .

وقال السدي : بالجنود .

قيل : كان يبيت حول محرابه أربعون ألف مسلم يحرسونه ، وهذا بعيد في العادة ؛ وقيل : بهيبة قذفها الله له في قلوب قومه .

و { الحكمة } هنا : النبوة ، أو الزبور ، أو الفهم في الدين ، أو كل كلام ، ولقن الحق أقوال .

{ وفصل الخطاب } ، قال علي والشعبي : إيجاب اليمين على المدعى عليه ، والبينة على المدعي .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي : القضاء بين الناس بالحق وإصابته وفهمه .

وقال الشعبي : كلمة أما بعد ، لأنه أول من تكلم بها وفصل بين كلامين .

قال الزمخشري : لأنه يفتتح إذا تكلم في الأمر الذي له شأن بذكر الله وتحميده ، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق إليه ، فصل بينه وبين ذكر الله بقوله : أما بعد .

ويجوز أن يراد بالخطاب : القصد الذي ليس له فيه اختصار مخل ، ولا إشباع ممل ؛ ومنه ما جاء في صفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصل لا نذر ولا هذر . انتهى .

ولما كان تعالى قد كمل نفس نبيه داود بالحكمة ، أردفه ببيان كمال خلقه في النطق والعبادة فقال : { وفصل الخطاب } .