وقوله : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ } أي : لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم ، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة .
وروى الضحاك ، عن ابن عباس ، أنه قال : في الخمر أربع خصال : السكر ، والصداع ، والقيء ، والبول . فذكر الله خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال .
وقال مجاهد ، وعِكْرِمَة ، وسعيد بن جُبَيْر ، وعطية ، وقتادة ، والسُّدِّيّ : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يقول : ليس لهم فيها صداع رأس .
وقوله : لا يُصَدّعُونَ عَنْها يقول : لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، قوله : لا يُصَدّعُونَ عَنْها قال : لا تصدّع رؤوسهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لا يُصَدّعُونَ عَنْها ليس لها وجع رأس .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة لا يُصَدّعُونَ عَنْها قال : لا تصدّع رؤوسهم .
حدثنا ابن حمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد لا يُصَدّعُونَ عَنْها يقول : لا تصدّع رؤوسهم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لا يُصَدّعُونَ عَنْها يعني : وجع الرأس .
وقوله : وَلا يُنْزِفُونَ اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة «يُنْزَفُونَ » بفتح الزاي ، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم . وقرأته عامة قرّاء الكوفة لا يُنْزِفُونَ بكسر الزاي بمعنى : ولا ينفد شرابهم .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فيها الصواب .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء فيه . وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك ، وبيّنا الصواب من القول فيه في سورة الصافات ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظنّ ظانّ أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك . ذكر قول من قال منهم : معناه لا تنزف عقولهم .
حدثنا إسماعيل بن موسى ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد وَلا يُنْزِفُونَ قال : لا تنزف عقولهم .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَلا يُنْزِفُونَ قال : لا تنزف عقولهم .
وحدثنا ابن حميد ، مرة أخرى فقال ولا تذهب عقولهم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلا يُنْزَفُونَ لا تنزف عقولهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : وَلا يُنْزِفُونَ قال : لا يغلب أحد على عقله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، في قوله : وَلا يُنْزِفُونَ قال : لا يغلب أحد على عقله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : وَلا يُنْزِفُونَ قال : لا تغلب على عقولهم .
وقوله : { لا يصدعون عنها } ذهب أكثر المفسرين إلى أن المعنى : لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا ، وقال قوم معناه : لا يفرقون عنها ، بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق ، وهذا كما قال : «فتصدع السحاب عن المدينة » . . . الحديث{[10892]} .
وقوله : { ولا ينزفون } قال مجاهد وقتادة وابن جبير والضحاك معناه : لا تذهب عقولهم سكراً ، والنزيف : السكران ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج . . . {[10893]}
وقرأ ابن أبي إسحاق : «ولا يَنزِفون » بكسر الزاي وفتح الياء ، من نزف البئر إذا استقى ماءها ، فهي بمعنى تم خمرهم ونفذت{[10894]} ، هكذا قال أبو الفتح . وحكى أبو حاتم عن ابن أبي إسحاق والجحدري والأعمش وطلحة وابن مسعود وأبي عبد الرحمن وعيسى : بضم الياء وكسر الزاي . قال معناه : لا يفني شرابهم ، والعرب تقول : أنزف الرجل عبرته ، وتقول أيضاً ، أنزف : إذا سكر ، ومنه قول الأبيرد : [ الطويل ]
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ . . . لبيس الندامى أنتمُ آل أبجرا{[10895]}