التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

ثم ساقت السورة بعد ذلك حتى نهايتها آيات كريمة اشتملت على تعليقات وتعقيبات متنوعة ، وهذه التعليقات والتعقيبات قوية الصلة بما سبقها من آيات . .

وكان التعقيب الأول يهدف إلى بيان أن هذه القرى المهلكة التى منها ما هو قائم ومنها ما هو حصيد ، ما ظلم الله - تعالى - أهلها ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بعصيانهم الرسل ، وإصرارهم على الكفر والعناد ، قال - تعالى - :

{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ القرى نَقُصُّهُ . . . } .

أى : ذلك الذى قصصناه عليك - أيها الرسول الكريم - فى هذه السورة الكريمة ، وهو جزء { مِنْ أَنْبَآءِ القرى } المهلكة .

ونحن نقصه عليك ، فى هذا القرآن عن طريق وحينا الصادق ، ليعتبر به الناس ، وليعلموا أن هذا القرآن المشتمل على هذا القصص الذى لا علم لهم به من عند الله .

وافتتح - سبحانه - الكلام باسم الإِشارة المفيد للبعد ، للتنويه بشأن هذه الأنباء التى سبق الحديث عنها ، وللإِشعار بأنها أنباء هامة فيها الكثير من العظات والعبر لقوم يعقلون .

والضمير فى قوله : منها قائم وحصيد ، يعود إلى تلك القرى المهلكة ، والجملة مستأنفة للتحريض على النظر والاعتبار ، فكأن سائلا سأل ما حال هذه القرى الباقية آثارها أم عفى عليها الزمن ؟ فكان الجواب : منها قائم وحصيد .

أى : من هذه القرى المهلكة ما آثارها قائمة يراها الناظر إليها ، كآثار قوم ثمود .

ومنها ما أثارها عفت وزالت وانطمست وصارت كالزرع المحصود الذى استؤصل بقطعه ، فلم تبق منه باقية ، كديار قوم نوح .

ففى هذه الجملة الكريمة تشبيه بليغ ، حيث شبه - سبحانه - القرى التى بعض آثاهار مازال باقيا بالزرع القائم على ساقه ، وشبه مازال منها واندثر بالزرع المحصود .

وحصيد مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه ، أى منها قائم ومنها حصيد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

100

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك . منها قائم وحصيد . وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم ؛ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك ، وما زادوهم غير تتبيب . وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة . إن أخذه أليم شديد . .

ومصارع القوم معروضة ، ومشاهدهم تزحم النفس والخيال ؛ منهم الغارقون في لجة الطوفان الغامر ، ومنهم المأخوذون بالعاصفة المدمرة ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفت به وبداره الأرض ، ومنهم من يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار . وما حل بهم من قبل في الدنيا يخايل للأنظار . . في هذا الموضع وقد بلغ السياق من القلوب والمشاعر أعماقها بتلك المصارع والمشاهد . . هنا يأتي هذا التعقيب :

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم و حصيد ) .

( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك ) . . فما كان لك به من علم ، إنما هو الوحي ينبئك بهذا الغيب المطمور . وذلك بعض أغراض القصص في القرآن .

( منها قائم ) . . لا تزال آثاره تشهد بما بلغ أهله من القوة والعمران ، كبقايا عاد في الأحقاف وبقايا ثمود في الحجر . ومنها( حصيد )كالزرع المحصود . اجتث من فوق الأرض وتعرى وجهها منه ، كما حل بقوم نوح أو قوم لوط .

وما الأقوام ؟ وما العمران ؟ . . إن هي إلا حقول من الأناسي كحقول النبات . غرس منها يزكو وغرس منها خبيث ! غرس منها ينمو وغرس منها يموت !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

لما ذكر تعالى خبر هؤلاء الأنبياء ، وما جرى لهم مع أممهم ، وكيف أهلك الكافرين ونَجّى المؤمنين قال : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى } أي : من أخبارها { نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ } {[14900]} أي : عامر ، { وَحَصِيدٌ } أي : هالك دائر ، { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } أي : إذ أهلكناهم ، { وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } أي : بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بهم ، { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ } أي : أصنامهم وأوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها ، { مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ } أي : ما نفعوهم ولا أنقذوهم لما جاء أمر الله بإهلاكهم ، { وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ }{[14901]} .

قال مجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : أي غير تخسير ، وذلك أن سبب هلاكهم ودَمَارهم إنما كان باتباعهم تلك الآلهة وعبادتهم إياها{[14902]} فبهذا أصابهم ما أصابهم ، وخسروا بهم ، في الدنيا والآخرة .


[14900]:- في ت : "نقصها" وهو خطأ.
[14901]:- في ت : "تثبيت".
[14902]:- في ت : "إياهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَيۡكَۖ مِنۡهَا قَآئِمٞ وَحَصِيدٞ} (100)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَىَ نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هذا القصص الذي ذكرناه لك في هذه السورة ، والنبأ الذي أنبأناكه فيها من أخبار القرى التي أهلكنا أهلها بكفرهم بالله ، وتكذيبهم رسله ، { نقصه عليك } ، فنخبرك به . { مِنْها قائمٌ } ، يقول : منها بنيانه بائد بأهله هالك ، ومنها قائم بنيانه عامر ، ومنها { حصيد } ، بنيانه خراب متداع ، قد تعفى أثره دارس ، من قولهم : زرع حصيد : إذا كان قد استؤصل قطعه ، وإنما هو محصود ، ولكنه صرف إلى فعيل ، كما قد بيّنا في نظائره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ذلكَ مِنْ أنْباءِ القُرَى نَقُصّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائمٌ وحَصِيد } ، يعني بالقائم : قرى عامرة . والحصيد : قرى خامدة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { قَائمٌ وحَصِيدٌ } ، قال : قائم على عروشها ، وحصيد : مستأصلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { مِنْها قائمٌ } : يُرى مكانه ، { وَحَصِيدٌ } : لا يرى له أثر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { مِنْها قائمٌ } ، قال : خاو على عروشه ، { وَحَصِيدٌ } : ملزق بالأرض .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن سفيان ، عن الأعمش : { مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ } ، قال : خرّ بنيانه .

حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش : { مِنْها قائمٌ وَحَصِيدٌ } ، قال : الحصيد : ما قد خرّ بنيانه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { مِنْها قائمٌ وحَصِيدٌ } ، منها قائم يُرى أثره ، وحصيد باد لا يُرى .