التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ} (11)

وقوله - سبحانه - : { فِيهَا فَاكِهَةٌ والنخل ذَاتُ الأكمام والحب ذُو العصف والريحان } ، بيان لبعض ما اشتملت عليه هذه الأرض من خيرات .

والفاكهة : اسم لما يأكله الإنسان من ثمار على سبيل التفكه والتلذذ ، لا على سبيل القوت الدائم ، مأخوذة من قولهم فكه فلان - كفرح - إذا تلذذت نفسه بالشىء . . . والأكمام : جمع كِمّ - بكسر الكاف - ، وهو الطلع قبل أن تخرج منه الثمار .

وقوله : { ذُو العصف } أى : ذو القشر الذى يكون على الحبن وسمى بذلك لأن الرياح تعصف به . أى : تطيره لخفته ، أو المراد به الورق بعد أن ييبس ومنه قوله - تعالى - : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } والريحان : هو النبات ذو الرائحة الطيبة ، وقيل هو الرزق .

أى : فى هذه الأرض التى تيعشون عليها أوجد الله - تعالى - الفاكهة التى تتلذذون بأكلها ، وأوجد لكم النخيل ذات الأوعية التى يكون فيها الثمر . .

وأوجد لكم الحب ، الذى تحيط به قشوره ، كما ترون ذلك بأعينكم ، فى سنابل القمح والشعير وغيرهما .

وأوجد لكم النبات الذى يمتاز بالرائحة الطيبة التى تبهج النفوس وتشرح الصدور ، فأنت ترى أنه - تعالى - قد ذكر فى هذه الآيات ألوانا من النعم ، فقد أوجد فى الأرض الفاكهة للتلذذ ، وأوجد الحب للغذاء ، وأوجد النباتات ذات الرائحة الطيبة .

قال القرطبى ما ملخصه : وقراءة العامة { والحب ذُو العصف والريحان } بالرفع فيها كلها ، عطفا على " فاكهة " أى : فيها فاكهة وفيها الحب ذو العصف ، وفيها الريحان . . .

وقرأ ابن عامر بالنصب فيها كلها عطفا على الأرض ، أو بإضمار فعل ، أى : وخلق الحبَّ ذَا العصف والريحانَ . أى : وخلق الريحان .

وقرأ حمزة والكسائى بجر { الريحان } عطفا على العطف . أى : فيها الحب ذو العصف والريحانِ ، ولا يمتنع ذلك على قول من جعل الريحان بمعنى الرزق ، فيكون كأنه قال : والحب ذو الرزق ، لأن العصف رزق للبهائم ، والريحان رزق للناس .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ} (11)

ولقد يسر لهم فيها الحياة ، وهي تدور بهم حول نفسها وحول الشمس ، وتركض مع الشمس وتوابعها بتلك السرعة المذهلة . وقدر فيها أقواتها التي يذكر منها هنا الفاكهة - ويخص منها النخل ذات الأكمام - [ والكم كيس الطلع الذي ينشأ منه الثمر ] ليشير إلى جمال هيئتها بجانب فائدة ثمرتها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ} (11)

{ فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي : مختلفة الألوان والطعوم والروائح ، { وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ } أفرده بالذكر لشرفه ونفعه ، رطبا ويابسا . والأكمام - قال ابن جُرَيْج عن ابن عباس : هي أوعية الطلع . وهكذا قال غير واحد من المفسرين ، وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود ، فيكون بسرا ثم رطبا ، ثم ينضج ويتناهى يَنْعُه واستواؤه .

قال ابن أبي حاتم {[27845]} ذُكِرَ عن عمرو بن علي الصيرفي : حدثنا أبو قتيبة ، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي ، عن الشعبي قال : كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب : أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك ، فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير ، تخرج مثل آذان الحمير ، ثم تشقق مثل اللؤلؤ ، ثم تخضر فتكون مثل الزمرد{[27846]} الأخضر ، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر ، ثم تَيْنَع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج أُكِل ، ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادًا للمسافر ، فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة . فكتب إليه عمر بن الخطاب{[27847]} من عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم ، إن رسلك قد صدقوك {[27848]} ، هذه الشجرة عندنا ، وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها ، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله ، فإن { مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 59 ، 60 ] {[27849]} .

وقيل : الأكمام رفاتها ، وهو : الليف الذي على عنق النخلة . وهو قول الحسن وقتادة .


[27845]:- (3) في أ: "ابن جرير".
[27846]:- (4) في م: "كالرمد".
[27847]:- (5) في م: "عمر بن عبد الله".
[27848]:- (6) في م، أ: "صدقتك".
[27849]:- (7) في م: "تكونن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ} (11)

وقوله : فِيها فاكِهَةٌ والنّخْلُ ذَاتُ الأكمَامِ يقول تعالى ذكره : في الأرض فاكهة ، والهاء والألف فيها من ذكر الأرض . والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ والأكمام : جمع كمّ ، وهو ما تكممت فيه .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : عنى بذلك تكمم النخل في الليف . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سألت الحسن ، عن قوله : والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ فقال : سَعَفة من ليف عُصِبَتْ بها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن ذَاتُ الأكمامِ أكمامها : ليفها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ : الليف الذي يكون عليها .

وقال آخرون : يعني بالأكمام : الرّفَات . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ قال : أكمامها رُفاتها .

وقال آخرون : بل معنى الكلام : والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ وقيل له : هو الطلع ، قال : نعم ، وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال : والحبّ أيضا في أكمام . وقرأ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أكمامِها .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف النخل بأنها ذات أكمام ، وهي متكممة في ليفها ، وطلعها متكمم في جُفّهِ ، ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه ، بل عمّ الخبر عنها بأنها ذات أكمام .

والصواب أن يقال : عني بذلك ذان ليف ، وهي به مُتَكَممة وذات طَلْع هو في جُفّه متكَمّم فيُعَمّم ، كما عَمّ جلّ ثناؤه .