التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

ثم بينت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من هذه النعم العظيمة كما بينت وظيفة النبى صلى الله عليه وسلم وأمرته بالمضى فى دعوته متوكلا على الله - تعالى - وحده الذى خلق فسوى . وقدر فهدى . . . قال - تعالى - : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ . . . } .

الضمير فى قوله - تعالى - : { وَيَعْبُدُونَ . . . } يعود على الكافرين ، الذين عموا وصموا عن الحق .

أى : أن هؤلاء الكافرين يتركون عبادة الله - تعالى - الواحد القهار ، ويعبدون من دونه آلهة لا تنفعهم عبادتها إن عبدوها ، ولا تضرهم شيئا من الضرر إن تركوا عبادتها .

وقوله - سبحانه - : { وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً } بيان لما وصل إليه هؤلاء الكافرون من حمق وجهالة وجحود . فالمراد بالكافر : جنسه .

والظهير : المعين . يقال : ظاهر فلان فلانا إذا أعانه وساعده . وظهير بمعنى مظاهر .

أى : وكان هؤلاء الكافرون مظاهرين ومعاونين للشيطان وحزبه ، على الإشراك بالله - تعالى - الذى خلقهم ، وعلى عبادة غيره - سبحانه - .

ويصح أن يكون الكلام على حذف مضاف . أى : وكان الكافر على حرب دين ربه ، ورسول ربه ، مظاهرا للشيطان على ذلك .

وقال - سبحانه - { على رَبِّهِ ظَهِيراً } لتفظيع جريمة هذا الكافر وتبشيعها ، حيث صوره - سبحانه - بصورة من يعاون على مخاربة خالقه ورازقه ومربيه وواهبه الحياة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

45

وفي مثل هذا الجو . جو الخلق والتقدير . وأمام تلك الحياة الناشئة من ماء السماء وماء النطفة . المزودة بتلك الخصائص ، التي تجعل من خلية ذكرا بمميزاته كلها ووراثاته ، وتجعل من خلية أنثى بمميزاتها كذلك ووراثاتها . . في مثل هذا الجو تبدو عبادة غير الله شيئا مستغربا مستنكرا تشمئز منه الفطرة . . وهنا يعرض عباداتهم من دون الله .

( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم . وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . .

( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) . . كل كافر - ومشركو مكة من ضمنهم ! - إنما هو حرب على ربه الذي خلقه وسواه . فكيف ذلك ، وهو صغير ضئيل لا يبلغ أن يكون حربا ولا ضدا على الله ? إنه حرب على دينه . وحرب على منهجه الذي أراده للحياة . إنما يريد التعبير أن يفظع جريمته ويبشعها ، فيصوره حربا على ربه ومولاه !

فهو يحارب ربه حين يحارب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ورسالته ، فلا على الرسول منه ، فإنما الحرب مع الله ، وهو به كفيل . ثم يطمئن الله عبده ، ويخفف العبء عن عاتقة ، ويشعره أنه حين يؤدي واجبه في التبشير والإنذار ، وجهاد الكفار بما معه من قرآن فلا عليه من عداء المجرمين له ولا عناد الكافرين . والله يتولى عنه المعركة مع أعدائه الذين إنما يعادون الله . فليتوكل على ربه . والله أعلم بذنوب عباده !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىَ رَبّهِ ظَهِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم ، فتجلب إليهم نفعا إذا هم عبدوها ، ولا تضرّهم إن تركوا عبادتها ، ويتركون عبادة من أنعم عليهم هذه النعم التي لا كفاء لأدناها ، وهي ما عدّد علينا جلّ جلاله في هذه الاَيات من قوله : ألَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدّ الظّلّ إلى قوله : قَدِيرا . ومن قدرته القدرة التي لا يمتنع عليه معها شيء أراده ، ولا يتعذّر عليه فعل شيء أراد فعله ، ومن إذا أراد عقاب بعض من عصاه من عباده أحلّ به ما أحلّ بالذين وصف صفتهم من قوم فرعون وعاد وثمود وأصحاب الرّسّ ، وقرونا بين ذلك كثيرا ، فلم يكن لمن غضب عليه منه ناصر ، ولا له عنه دافع . وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يقول تعالى ذكره : وكان الكافر معينا للشيطان على ربه ، مظاهرا له على معصيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : يظاهر الشيطان على معصية الله بعينه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : معينا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جُرَيج : أبو جهل معينا ظاهر الشيطان على ربه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّه ظَهيرا قال : عونا للشيطان على ربه على المعاصي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا قال : على ربه عوينا . والظهير : العوين . وقرأ قول الله : فَلاَ تَكُونَنّ ظَهِيرا للكافِرينَ قال : لا تكونن لهم عوينا . وقرأ أيضا قول الله : وأنْزلَ الّذِين ظاهَرُوهُمْ مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ صياصِيهِمْ قال : ظاهروهم : أعانوهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا يعني : أبا الحكم الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا جهل بن هشام .

وقد كان بعضهم يوجه معنى قوله وكانَ الكافِرُ عَلى رَبّهِ ظَهِيرا أي وكان الكافر على ربه هينا من قول العرب : ظهرت به ، فلم ألتفت إليه ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه ، وكأنّ الظهير كان عنده فعيل صرف من مفعول إليه من مظهور به ، كأنه قيل : وكان الكافر مظهورا به . والقول الذي قلناه هو وجه الكلام ، والمعنى الصحيح ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن عبادة هؤلاء الكفار من دونه ، فأولى الكلام أن يتبع ذلك ذمّه إياهم ، وذمّ فعلهم دون الخبر عن هوانهم على ربهم ، ولِما يجر لاستكبارهم عليه ذكر ، فيتبع بالخبر عن هوانهم عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ ٱلۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا} (55)

الواو للحال ، وهذا مستعمل في التعجيب من استمرارهم في الشرك ، أُعقب ذكر ما نفع الله به الناس من إلطافه بهم في تصاريف الكائنات إذ جعل لهم الليل والنهار ، وخلق لهم الماء فأنبت به الزرع وسقى به الناس والأنعام ، مع ما قارنه من دلائل القدرة بذكر عبادتهم ما لا ينفع الناس عَوْداً إلى حكاية شيء من أحوال مشركي مكة .

ونفي الضرّ بعد نفي النفع للتنبيه على انتفاء شبهة عَبَدة الأصنام في شركهم لأن موجب العبادة إما رجاء النفع وإما اتقاء ضر المعبود وكلاهما منتف عن الأصنام بالمشاهَدة .

والتعبير بالفعل المضارع للدلالة على تجدد عبادتهم الأصنام وعدم إجداء الدلائل المقلعة عنها في جانبهم .

وجملة { وكان الكافر على ربه ظهيراً } تذييل لما قبله ، فاللام في تعريف { الكافر } للاستغراق ، أي كل كافر على ربّه ظهير .

وجعل الخبر عن الكافر خبراً ل { كان } للدلالة على أن اتصافه بالخبر أمر متقرر معتاد من كل كافر .

والظهير : المظاهر ، أي المعين ، وتقدم في قوله تعالى : { ولو كان بعضُهم لبعض ظهيراً } في سورة الإسراء ( 88 ) وهو فعيل بمعنى مُفاعل ، أي مظاهر مثل حكيم بمعنى مُحكم ، وعَوين بمعنى معاون . وقول عمر بن معد يكرب :

أمن ريحانة الداعي السّميع

أي المُسمع . قال في « الكشاف » : « ومجيء فعيل بمعنى مُفاعل غير عزيز » . وهو مشتق من : ظاهر عليه ، إذا أعان من يُغالبه على غلَبه ، وأصله الأصيل مشتق من اسم جامد وهو اسم الظهر من الإنسان أو الدابة لأن المُعاون أحداً على غلب غيره كأنه يحمل الغالب على المغلوب كما يَحمل على ظهر الحامل ، جعل المشرك في إشراكه مع وضوح دلالة عدم استئهال الأصنام للإلهية كأنه ينصر الأصنام على ربه الحق . وفي ذكر الربّ تعريض بأن الكافر عاقّ لمولاه . وعن أبي عبيدة : ظَهير بمعنى مَظهور ، أي كُفر الكافر هَيّن على الله ، يعني أي فعيلاً فيه بمعنى مفعول ، أي مظهور عليه وعلى هذا يكون { على } متعلقاً بفعل { كان } أي كان على الله هيّناً .