التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

كما قال - تعالى - : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } .

والضمير فى { به } يعود إلى القرآن الكريم المفهوم من المقام . والمراد بقوله : { لاَ تُحَرِّكْ } نهيه صلى الله عليه وسلم عن التعجيل فى القراءة .

والمقصود بقوله : قرآنه ، قراءته عليك ، وتثبيته على لسانك وفى قلبك بحيث تقرؤه متى شئت فهو مصدر مضاف لمفعوله .

قال الآلوسى : قوله : { وَقُرْآنَهُ } أى : إثبات قراءته فى لسانك ، فالقرآن هنا ، وكذا فيما بعده ، مصدر كالرجحان بمعنى القراءة . . مضاف إلى المفعول وقيل : قرآنه ، أى : تأليفه على لسانك . .

أى : لا تتعجل - أيها الرسول الكريم - بقراءة القرآن الكريم عندما تسمعه من أمين وحينا جبريل - عليه السلام - ، بل تريث وتمهل حتى ينتهى من قراءته ثم اقرأ من بعده ، فإننا قد تكفلنا بجمعه فى صدرك وبقراءته عليك عن طريق وحينا ، وما دام الأمر كذلك ، فمتى قرأ عليك جبريل القرآن فاتبع قراءته ولا تسبقه بها ، ثم إن علينا بعد ذلك بيان ما خفى عليك منه ، وتوضيح ما أشكل عليك من معانيه .

قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : هذا تعليم من الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم فى كيفية تلقيه الوحى من الملك ، فإنه كان يبادر إلى أخذه ، ويسابق الملك فى قراءته .

روى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك شفتيه - يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلت منه شئ ، أو من شدة رغبته فى حفظه - فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يجمع له القرآن فى صدره وأن يجريه على لسانه ، بدون أى تحريف أو تبديل ، وأن يوضح له ما خفى عليه منه .

قالوا : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما نزل عليه الوحى بعد ذلك بالقرآن ، أطرق وأنصت ، وشبيه بهذه الآيات قوله - سبحانه - : { فتعالى الله الملك الحق وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن :

( لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه ) . .

وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات ، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن : وحيا وحفظا وجمعا وبيانا ؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته . ليس للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] من أمره إلا حمله وتبليغه . ثم لهفة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه ؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص ، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة ، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته ، ويتثبت من حفظه له فيما بعد !

وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

وقوله : إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ يقول تعالى ذكره : إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه وقُرآنَهُ يقول : وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ قال : في صدرك وَقُرآنَهُ قال : تقرؤه بعد .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ أن نجمعه لك ، وقرآنه : أن نُقرئك فلا تنسى .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله إنّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ يقول : إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك .

وكان آخرون يتأوّلون قوله : وَقُرآنَهُ وتأليفه . وكان معنى الكلام عندهم : إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه ، وتأليفه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ يقول حفظه وتأليفه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة جَمْعَهُ وقُرآنَهُ قال : حفظه وتأليفه .

وكأنّ قتادة وجّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل : قد قَرَأَتْ هذِ الناقةُ في بطنها جَنينا ، إذا ضمت رحمها على ولد ، كما قال عمرو بن كلثوم :

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْماءَ بِكْرٍ *** هِجانِ اللّوْنِ لمْ تَقرأ جَنِينا

يعني بقوله : «لم تقرأ » : لم تضمّ رحما على ولد . وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول القائل : قرأت أقرأ قرآنا وقراءة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

إن علينا جمعه في صدرك وقرآنه وإثبات قراءته في لسانك وهو تعليل للنهي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

{ وقرآنه } يحتمل أن يريد به وقراءته أي تقرأه أنت يا محمد ، والقرآن مصدر كالقراءة ومنه قول الشاعر [ حسان بن ثابت ] في عثمان رضي الله عنه وأرضاه : [ البسيط ]

ضحوا بأشمط عنوان السجود به*** يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا{[11475]}

ويحتمل أن يريد { إن علينا جمعه } وتأليفه في صدر صدرك فهو مصدر من قولك قرأت أي جمعت ، ومنه قولهم في المرأة التي لم تلد ما قرأت نسلا قط{[11476]} ، ومنه قول الشاعر [ عمرو بن كلثوم ] : [ الوافر ]

ذراعي عيطل أدماء بكر*** هجان اللون لم تقرأ جنينا{[11477]}


[11475]:هذا البيت لحسان بن ثابت، وقد جاء في الديوان ضمن أبيات قالها حسان يرثي عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وجاء في اللسان أيضا منسوبا إلى حسان مرتين، وقال ابن عبد البر: هذا البيت يختلف فيه، فهو ينسب لغير حسان، وقال بعضهم هو لعمران بن حطان، والأشمط: الذي اختلط سواد شعره ببياض، والقرآن : القراءة ، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا، يصف الشاعر عثمان رضي الله عنه بكثرة العبادة التي تظهر في السجود الطويل، وقضاء الليل في التسبيح وقراءة القرآن.
[11476]:هكذا في الأصول إلا في نسخة واحدة فقد جاءت الجملة :ما قرأت سلى قط". وهذا يتفق مع ما في اللسان، ومعناها : ما حملت ملقوحا.
[11477]:البيت من معلقة عمرو بن كلثوم المعروفة، والرواية المشهورة: (ذراعي عيطل)، والعيطل : الطويلة العنق، والأدماء: البيضاء، والبكر: الفتية، و "هجان اللون" معناه: بيضاء، والهجان أيضا: الكريم، و "لم تقرأ أجنينا" معناه: لم تحمل قط، أو لم تضم في رحمها ولدا، ويروى الشطر الثاني (تربعت الأجارع والمتونا)، ومعناه: قضت الربيع في الأجارع وهو من الرمل ما لم يبلغ أن يصير حبلا، أي رملا مستطيلا شبيها بالحبل. والشاهد أن "تقرأ" في البيت بمعنى "تجمع" أو "تضم"، ومنه قولهم: "قرأت الماء في الحوض" أي جمعته.