التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

ثم سلى - سبحانه - نبيه عما لحقه منهم من أذى ، بعد أن ذكر له جانباً من تقلب أحوالهم ، فقال - تعالى - : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } . اى : فاصبر - أيها الرسول - لحكم ربك ، واثبت على ما أنت عليه من حق { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى } إذا ناديتهم { وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء } إذا ما دعوتهم او وعظتهم .

وقوله { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } بيان لإِعراضهم عن الحق ، بعد بيان كونهم كالأموات وكالصم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

33

وعند هذا الحد من تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم ، وعدم انتفاعهم بآيات الله التي يرونها ماثلة في الكون من حولهم ؛ وعدم إدراكهم لحكمة الله من وراء ما يشهدونه من وقائع وأحداث . . عند هذا يتوجه بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه عن إخفاق جهوده في هداية الكثير منهم ؛ ويرد هذا إلى طبيعتهم التي لا حيلة له فيها ، وانطماس بصيرتهم وعماها .

( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) .

وهو يصورهم موتى لا حياة فيهم ، صما لا سمع لهم ، عميا لا يهتدون إلى طريق . . والذي ينفصل حسه عن الوجود فلا يدرك نواميسه وسننه ميت لا حياة فيه . إنما هي حياة حيوانية ، بل أضل وأقل ، فالحيوان مهدي بفطرته التي قلما تخونه ! والذي لا يستجيب لما يسمع من آيات الله ذات السلطان النافذ في القلوب أصم ولو كانت له أذنان تسمعان ذبذبة الأصوات ! والذي لا يبصر آيات الله المبثوثة في صفحات الوجود أعمى ولو كانت له عينان كالحيوان !

( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . .

وهؤلاء هم الذين يسمعون الدعوة ، لأن قلوبهم حية ، وبصائرهم مفتوحة ، وإدراكهم سليم . فهم يسمعون فيسلمون . ولا تزيد الدعوة على أن تنبه فطرتهم فتستجيب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ} (52)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مّسْلِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فإنّكَ يا محمد لا تُسْمِعُ المَوْتَى يقول : لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم ، وإنما هذا مثل معناه : فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم ، فسلبهم فهم ما يُتلى عليهم من مواعظ تنزيله ، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم ، بأن تجعل لهم أسماعا .

وقوله : وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ يقول : وكما لا تقدر أن تُسمع الصمّ الذين قد سلبوا السمع الدعاء ، إذا هم وَلّوا عنك مدبرين ، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهمَ آيات كتابه ، لسماع ذلك وفهمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : فإنّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى : هذا مَثَل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء ، كذلك لا يسمع الكافر . وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ إذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ يقول : لو أن أصمّ ولّى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع .