التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

ثم بين سبحانه - الصفات التي يعرف بها المنافقون ، بعد بيانه للصفات التي يعرف بها المؤمنون الصادقون فقال : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وارتابت قُلُوبُهُمْ } .

أى : إنما يستأذنك - يا محمد - في القعود عن الجهاد أولئك الذين من صفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله إيمانا كاملا ، ولا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب إيمانا يقينيا .

قال الآلوسى : وتخصيص الإِيمان بها - أى بالله واليوم الآخر - في الموضعين للإِيذان بأن الباعث على الجهاد والمانع عنه الإِيمان بهما وعدم الإِيمان بهما ، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه ، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم ، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك .

على أن الإِيمان بهما مستلزم للإِيمان بسائر ما يجب الإِيمان به .

وقوله : { وارتابت قُلُوبُهُمْ } ثالثة من صفاتهم الذميمة .

أى : أنهم بجانب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، رسخ الريب في قلوبهم فصاروا يشكون في صحة ما جئت به - أيها الرسول الكريم - ، ويقفون من تعاليمك وتوجيهاتك ، موقف المكذب المرتاب لا موقف المصدق المذعن .

وأضاف الشك والارتياب إلى القلوب ، لأنها محل المعرفة والإِيمان . وأوثرت صيغة الماضى - ارتابت ، للدلالة على تحقق الريب وتوبيخهم . وأصل معنى التردد : الذهاب والمجئ . والمراد به هنا لتحير على سبيل المجاز ، لأن المتحير لا يستقر في مكان ، ولا يثبت على حال .

أى : فهم في شكهم الذي حل بهم يتحيرون ، فنراهم كما وصفهم - سبحانه - في آية أخرى . { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء } أى : متحيرين بين الكفر وبين الإِيمان .

وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا السمات التي بها يتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم من الذين قالوا آمنا وما هم بمؤمنين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

42

إنما يستأذن أولئك الذين خلت قلوبهم من اليقين فهم يتلكأون ويتلمسون المعاذير ، لعل عائقاً من العوائق يحول بينهم وبين النهوض بتكاليف العقيدة التي يتظاهرون بها ، وهم يرتابون فيها ويترددون .

إن الطريق إلى اللّه واضحة مستقيمة ، فما يتردد ويتلكأ إلا الذي لا يعرف الطريق ، أو الذي يعرفها ويتنكبها اتقاء لمتاعب الطريق !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱرۡتَابَتۡ قُلُوبُهُمۡ فَهُمۡ فِي رَيۡبِهِمۡ يَتَرَدَّدُونَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : إنما يستأذنك يا محمد في التخلف خلافك ، وترك الجهاد معك من غير عذر بين الذين لا يصدّقون بالله ، ولا يقرّون بتوحيده . وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ يقول : وشكت قلوبهم في حقيقة وحدانية الله ، وفي ثواب أهل طاعته ، وعقابه أهل معاصيه . فَهُمْ فِي رَيْبهْمِ يَتردّدوَن يقول : في شكهم متحيرون ، وفي ظلمة الحيرة مترددون ، لا يعرفون حقّا من باطل ، فيعملون على بصيرة . وهذه صفة المنافقين .

وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الاَيتين منسوختان بالآية التي ذكرت في سورة النور . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : قوله : لا يَسْتأذِنُكَ الّذِينَ يُؤمِنُونَ باللّهِ . . . إلى قوله : فَهُمْ في رَيْبِهِمْ يَتَرَدّدُونَ نسختهما الآية التي في النور : إنّمَا المُؤمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا باللّهِ . . . إلى : إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

وقد بيّنا الناسخ والمنسوخ بما أغنى عن إعادته ههنا .