التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (44)

ثم بين - سبحانه - مظهرا آخر من مظاهر فضله على الناس فقال : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ . إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إلى حِينٍ } .

الصريخ : المغيث : أى : فلا مغيث لهم . أو فلا إغاثة لهم ، على أنه مصدر كالصراخ ، لأن المستغيث الخائف ينادى به من ينقذه ، فيصرخ المغيث له قائلا : جاءك الغوث والعون .

والاستثناء هنا مفرغ من أعم العلل .

أى : وإن نشأ أن نغرق المحمولين فى السفن أغرقناهم ، دون أن يجدوا من يغيثهم منا ، أو من ينقذهم من الغرق ، سوى رحمتنا بهم ، وفضلنا عليهم ، وتمتيعنا إياهم بالحياة إلى وقت معين تنقضى عنده حياتهم .

فالآيتان الكريمتان تصوران مظاهر قدرة الله ورحمته بعباده أكمل تصوير ؛ وذلك لأن السفن التى تجرى فى البحر - مهما عظمت - تصير عندما تشتد أمواجه فى حالة شديدة من الاضطراب ، ويغشى الراكبين فيها من الهول والفزع ما يغشاهم ، وفى تلك الظروف العصيبة لا نجاة لهم مما هم فيه إلا عن طريق رعاية الله - تعالى - ورحمته بهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (44)

30

( وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون . إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين ) . . والسفينة في الخضم كالريشة في مهب الريح ، مهما ثقلت وضخمت وأتقن صنعها . وإلا تدركها رحمة الله فهي هالكة هالكة في لحظة من ليل أو نهار . والذين ركبوا البحار سواء عبروها في قارب ذي شراع أو في عابرة ضخمة للمحيط ، يدركون هول البحر المخيف ؛ وضآلة العصمة من خطره الهائل وغضبه الجبار . ويحسون معنى رحمة الله ؛ وأنها وحدها العاصم بين العواصف والتيارات في هذا الخلق الهائل الذي تمسك يد الرحمة الإلهية عنانه الجامح ، ولا تمسكه يد سواها في أرض أو سماء . وذلك حتى يقضي الكتاب أجله ، ويحل الموعد المقدور في حينه ، وفق ما قدره الحكيم الخبير : ومتاعاً إلى حين . .