تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ} (44)

الآية 44 وقوله تعالى : { إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين } يحتمل قوله : { إلا رحمة } من ربك ، أي : لو شاء لأهلكهم ، واستأصلهم بالعناد والتكذيب للرسول كما فعل بأوائلهم ، لكن برحمته أخّر عن هؤلاء ذلك ، وجعل لهم متاعا إلى حين . وذلك منه رحمة . والذين كانوا من قبل عند رؤيتهم بأس الله كقوله : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } الآية [ غافر : 84 ] [ أخبر ]{[17483]} أنه لم ينفعهم ذلك حين{[17484]} قال : { فلم يك ينفعهم إيمانهم } [ غافر : 85 ] ، ولكن هؤلاء لمكان رسول الله ، فقُبل إيمانهم عند رؤيتهم بأس الله .

وفي قوله : { وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم } الآية دلالة نقض قول المعتزلة لقولهم في الأصلح لما لا يخلو إما أن يكون إغراقه إياهم أصلح لهم في الدين [ وإما ]{[17485]} إبقاؤه إياهم .

فإن كان إغراقه إياهم أصلح لهم في الدين [ فلم يُغرقهم ، فقد فعل بهم ما ليس ذلك بأصلح لهم . وإن كان إبقاؤه إياهم أصلح لهم في الدين من إغراقهم فلا يكون ذلك رحمة ؛ لأن له أن يفعل ذلك ، ولا يفعل بهم غيره . وقد أخبر أن إبقاءه إياهم رحمة منه لهم ، فدل أنه ليس عليه حفظ الأصلح على عباده في الدين ]{[17486]} والله أعلم .


[17483]:من م، ساقطة من الأصل.
[17484]:في الأصل وم: حيث.
[17485]:في الأصل وم: أو.
[17486]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.