التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

قوله - تعالى - : { لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ . . . } بيان لحسن عاقبة المؤمنين ، بعد بيان سوء عاقبة من حقت عليهم كلمة العذاب . .

والغرف جمع غرفة ، وتطلق على الحجرة التى تكون مرتفعة عن الأرض .

أى : هذا حال الذين عليهم كلمة العذاب ، أما حال الذين اتقوا ربهم فيختلف اختلافا تاما عن غيرهم ، فإن الله - تعالى - قد أعد لهم - على سبيل التكريم والتشريف - غرفا من فوقها غرف أخرى مبنية .

ووصفت بذلك الإِشارة إلى أنها معدة ومهيأة لنزولهم فيها ، قبل أن يقدموا عليها ، زيادة فى تكريمهم وحسن لقائهم .

وهذه الغرف جميعها { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } ليكون ذلك أدعى إلى زيادة سرورهم .

وقوله - تعالى - { وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد } تذييل مؤكد لمضمون ما قبله من كون المتقين لهم تلك الغرف المبنية . ولفظ " وعد " مصدر منصوب بفعل مقدر .

أى : وعدهم - تعالى - بذلك وعدا لا يخلفه ، لأنه - سبحانه - ليس من شأنه أن يخلف الموعد الذى يعده لعباده .

وقد ذكر الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث ، منها ما رواه الإِمام أحمد عن أبى مالك الأشعرى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس نيام " .

وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت المتقين بأحسن البشارات وأكرمها ، وتوعدت المصرين على كفرهم وفجورهم باستحالة إنقاذهم من عذاب النار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

وأمام مشهد هؤلاء في النار - وكأنهم فيها فعلا الآن . ما دام قد حق عليهم العذاب - يعرض مشهد الذين اتقوا ربهم ، وخافوا ما خوفهم الله :

( لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار . وعد الله . لا يخلف الله الميعاد ) . .

ومشهد الغرف المبنية ، من فوقها غرف ، تجري الأنهار من تحتها . . هذا المشهد يتقابل مع مشهد ظلل النار هناك من فوقهم ومن تحتهم . هذا التقابل الذي ينسقه التعبير القرآني وهو يرسم المشاهد للأنظار .

ذلك وعد الله . ووعد الله واقع . لا يخلف الله الميعاد .

ولقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة . عاشوا هذه المشاهد فعلاً وواقعاً . فلم تكن في نفوسهم وعداً أو وعيداً يتلقونهما من مستقبل بعيد . إنما كان هذا وذلك واقعاً تشهده قلوبهم وتحسه وتراه . وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه . ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول ؛ وتكيفت حياتهم على هذه الأرض بذلك الواقع الأخروي ، الذي كانوا يعيشونه ويحيون به وهم بعد في الحياة ! وهكذا ينبغي أن يتلقى المسلم وعد الله .