ثم بين - سبحانه - صفات أخرى لهم فقال : { والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ } .
أى : أن من صفات أولى الألباب - أيضا - أنهم يصلون كل ما أمر الله - تعالى - بوصله كصلة الأرحام ، وإفشاء السلام ، وإعانة المحتاج ، والإِحسان إلى الجار .
وقوله { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } خشية تحملهم على امتثال أمره واجتناب نهيه .
{ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } أى : ويخافون أهوال يوم القيامة ، وما فيه من حساب دقيق ، فيحملهم ذلك على أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا .
قال الآلوسى ما ملخصه : " وهذا من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ، والخشية والخوف قيل : بمعنى .
وفرق الراغب بينهما فقال : الخشية خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك من علم .
وقال بعضهم : الخشية أشد الخوف ، لأنها مأخوذة من قولهم : شجرة خشية ، أى : يابسة .
وقوله : وَالّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ يقول تعالى ذكره : والذين يصلون الرحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها ، ويَخْشَوْنَ رَبّهُمْ يقول : ويخافون الله في قطعها أن يقطعوها ، فيعاقبهم على قطعها وعلى خلافهم أمره فيها . وقوله : ويَخافُونَ سُوءَ الحِسابِ يقول : ويحذرون مناقشة الله إياهم في الحساب ، ثم لا يصفح لهم عن ذنب ، فهم لرهبتهم ذلك جادّون في طاعته محافظون على حدوده . كما :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، في قوله : الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الحِسابِ قال : المناقشة بالأعمال .
قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، عن فرقد ، عن إبراهيم ، قال : سوء الحساب أن يحاسب من لا يغفر له .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ويَخافُونَ سُوءَ الحِسابِ قال : فقال : وما سوء الحساب ؟ قال : الذي لا جواز فيه .
حدثني ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن الحجاج ، عن فرقد ، قال : قال لي إبراهيم : تدري ما سوء الحساب ؟ لا أدري ، قال : يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء .
المراد ب { الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } ما يصدق على الفريق الذين يوفون بعهد الله .
ومناسبة عطفه أنّ وصْلَ ما أمر الله به أن يوصل أثر من آثار الوفاء بعهد الله وهو عهد الطاعة الداخل في قوله : { وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم } في سورة يس ( 61 ) .
والوصل : ضم شيء لشيء . وضده القطع . ويطلق مجازاً على القُرب وضده الهجر . واشتهر مجازاً أيضاً في الإحسان والإكرام ومنه قولهم ، صلة الرحم ، أي الإحسان لأجل الرحم ، أي لأجل القرابة الآتية من الأرحام مباشرة أو بواسط ، وذلك النسب الجائي من الأمهات . وأطلقت على قرابة النسب من جانب الآباء أيضاً لأنها لا تخلو غالباً من اشتراك في الأمهات ولو بَعِدْنَ .
و{ ما أمر الله به أن يوصل } عام في جميع الأواصر والعلائق التي أمر الله بالمودة والإحسان لأصحابها .
فمنها آصرة الإيمان ، ومنها آصرة القرابة وهي صلة الرحم . وقد اتفق المفسرون على أنها مراد الله هنا ، وقد تقدم مثله عند قوله تعالى : { وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } في سورة البقرة ( 26 ، 27 ) .
وإنما أطنب في التعبير عنها بطريقة اسم الموصول { ما أمر الله به أن يوصل } لما في الصلة من التعريض بأن واصلها آتتٍ بما يرضي الله لينتقل من ذلك إلى التعريض بالمشركين الذين قطعوا أواصر القرابة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن معه من المؤمنين وأساءوا إليهم في كل حال وكتبوا صحيفة القطيعة مع بني هاشم .
وفيها الثناء على المؤمنين بأنهم يصلون الأرحام ولم يقطعوا أرحام قومهم المشركين إلا عندما حاربوهم وناووهم .
وقوله : { أن يوصل } بدل من ضمير { به } ، أي ما أمر الله بوصله . وجيء بهذا النظم لزيادة تقرير المقصود وهو الأرحام بعد تقريره بالموصولية .
والخشية : خوف بتعظيم المخوف منه وتقدمت في قوله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } في سورة البقرة ( 45 ) . وتطلق على مطلق الخوف .
والخوف : ظن وقوع المضرة من شيء . وتقدم في قوله تعالى : { إلا أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله } في سورة البقرة ( 229 ) .
و{ سوء الحساب } ما يحفّ به مما يسوء المحاسَب ، وقد تقدم آنفاً ، أي يخافون وقوعه عليهم فيتركون العمل السيّء .
وجاءت الصلات { الذين يوفون } و { الذين يصلون } وما عطف عليهما بصيغة المضارع في تلك الأفعال الخمسة لإفادة التجدد كناية عن الاستمرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.