اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ} (21)

القيد الثالث : قوله تعالى : { والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ } .

قيل : أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ، و : { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [ البقرة : 285 ] .

وقال الأكثرون : المراد صلة الرَّحم .

فِإن قيل : الوفاء بالعهد ، وترك نقض الميثاقِ اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات ، والاحتراز عن كل المنهيات . فما الفائدة في ذكر هذه القيود بعدهما ؟

فالجواب من وجهين :

[ الأول ] : ذكر ذلك لئلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ ذلك ، فيما بينهن ، وبين ربه ، فلا جرم أفرد ما بينه ، وبين العباد ، بالذكر .

والثاني : أنه تأكيدٌ ، وفي [ تفسير ] هذه الصِّلة وجوه :

أحدهما : صلة الرَّحم ، قال صلوات الله وسلامه عليه حاكياً عن ربِّه عز وجل أنا الرَّحمنُ وهِيَ الرَّحمُ شققتُ لها اسماً من اسْمِي فمنْ وصلها وصلتهُ ومن قَطهَا [ قَطَعْتُهُ ] قال تعالى : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ } [ محمد : 22 ] .

وقال صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثَةٌ يَأتِينَ يَوْمَ القِيامة لها ذَلَق : تأتي الرَّحِمُ تقول : أيْ ربِّ قُطِعْتُ ، والأمَانَةُ تقول : أي ربِّ تُركت ، والنِّعمة تقول : أي ربِّ كُفِرْتُ " .

وثانيها : المراد صلة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ونصرته في الجهادِ .

وثالثاً : رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد ، فيدخل فيه صلة الرَّحم ، وأخوة الإيمان قال تعالى : { إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ويدخل في هذه الصلة أيضاً إمدادهم بالخيرات ، ودفع الآفات بقدر الإمكان ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، وإفشاء السلام والتبسم في وجوههم ، وكف الأذى عنهم ، ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة ، والدجاجة .

القيد الرابع : قوله : " وَيخْشَوْنَ ربَّهُمْ " معناه : أنَّ العبد ، وإن قام بكُلِّ ما جَاءَ عليه من تعظيم الله ، والشفقة على خلق الله إلا أنه لا بد من وأن تكون الخشية من الله عز وجل والخوف منه مستويان .

والفرق بين الخشية ، والخوف : أنَّ الخشية أن تخشى وقوع خلل إمَّا بزيادةٍ ، أو نقصٍ فيما يأتي به ، والخوفُ : هو مخافة الهيبة والجلال .

القيد الخامس : قوله عز وجل : { وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } .

وهذا القيد هو المخافة من سوءِ الحسابِ ، وهو خوف الجلال ، والعظمة ، والمهابة ، وإلا لزم التكرار .