مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلۡحِسَابِ} (21)

قوله عز وجل :{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب }

القيد الثالث : { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } وههنا سؤال : وهو أن الوفاء بالعهد وترك نقض الميثاق اشتمل على وجوب الإتيان بجميع المأمورات والاحتراز عن كل المنهيات فما الفائدة في ذكر هذه القيود المذكورة بعدهما ؟

والجواب من وجهين : الأول : أنه ذكر لئلا يظن ظان أن ذلك فيما بينه وبين الله تعالى فلا جرم أفرد ما بينه وبين العباد بالذكر . والثاني : أنه تأكيد .

إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في تفسيره وجوها : الأول : أن المراد منه صلة الرحم قال عليه السلام : « ثلاث يأتين يوم القيامة لها ذلق الرحم تقول : أي رب قطعت ، والأمانة تقول : أي رب تركت ، والنعمة تقول : أي رب كفرت »

والقول الثاني : أن المراد صلة محمد صلى الله عليه وسلم ومؤازرته ونصرته في الجهاد .

والقول الثالث : رعاية جميع الحقوق الواجبة للعباد ، فيدخل فيه صلة الرحم وصلة القرابة الثابتة بسبب أخوة الإيمان كما قال : { إنما المؤمنون إخوة } ويدخل في هذه الصلة إمدادهم بإيصال الخيرات ودفع الآفات بقدر الإمكان وعيادة المريض وشهود الجنائز وإفشاء السلام على الناس والتبسم في وجوههم ، وكف الأذى عنهم ويدخل فيه كل حيوان حتى الهرة والدجاجة ، وعن الفضيل بن عياض رحمه الله أن جماعة دخلوا عليه بمكة فقال : من أين أنتم ؟ قالوا : من خراسان . فقال : اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم ، واعلموا أن العبد لو أحسن كل الإحسان وكان له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين ، وأقول حاصل الكلام : أن قوله : { الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق } إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله : { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } إشارة إلى الشفقة على خلق الله .

القيد الرابع : قوله : { ويخشون ربهم } والمعنى : أنه وإن أتى بكل ما قدر عليه في تعظيم أمر الله ، وفي الشفقة على خلق الله إلا أنه لا بد وأن تكون الخشية من الله والخوف منه مستوليا على قلبه وهذه الخشية نوعان : أحدهما : أن يكون خائفا من أن يقع زيادة أو نقصان أو خلل في عباداته وطاعاته ، بحيث يوجب فساد العبادة أو يوجب نقصان ثوابها . والثاني : وهو خوف الجلال وذلك لأن العبد إذا حضر عند السلطان المهيب القاهر فإنه وإن كان في غير طاعته إلا أنه لا يزول عن قلبه مهابة الجلالة والرفعة والعظمة .

القيد الخامس : قوله : اعلم أن القيد الرابع إشارة إلى الخشية من أمر الله ، وهذا القيد الخامس إشارة إلى الخوف والخشية وسوء الحساب ، وهذا يدل على أن المراد من الخشية من الله ما ذكرناه من خوف الجلال والمهابة والعظمة وإلا لزم التكرار .