ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن يحيى ، فبينت ما أمره الله - تعالى به ، وما منحه من صفات فاضلة . فقال - تعالى - : { يايحيى . . . } .
وقوله - سبحانه - : { يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف ، والسر فى حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم .
والتقدير : وبعد أن ولد يحيى ، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا : { يايحيى خُذِ الكتاب } الذى هو التوراة { بِقُوَّةٍ } أى : بجد واجتهاد ، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح ، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب ، فإن بركة العلم فى العمل به .
والجار والمجرور { بِقُوَّةٍ } حال من فاعل خذ وهو يحيى ، والباء للملابسة أى : خذه حالة كونك ملتبساً بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات .
وقوله : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } أى : وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا { الحكم } أى : فهم الكتاب والعمل بأحكامه ، وهو فى سن الصبا .
قيل : كان سنه ثلاث سنين ، وقيل سبع سنين .
قال الآلوسى : " أخرج أبو نعيم ، وابن مردويه ، والديلمى ، عن ابن عباس ، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى ذلك : " أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين " .
وقال الجمل فى حاشيته : " فإن قلت : كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا ؟ .
قلت : لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات . إذا ثبت هذا . فلا تمنع صيروة الصبى نبيا . وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير . . .
والذى تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا : العلم النافع مع العمل به ، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها .
قال ابن كثير : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } أى : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه ، وهو صغير حدث .
قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقنا . قال : فلهذا أنزل الله : { وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً } .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَيَحْيَىَ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً * وَحَنَاناً مّن لّدُنّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : فولد لزكريا يحيى ، فلما ولد ، قال الله له : يا يحيى ، خذ هذا الكتاب بقوّة ، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى ، وهو التوراة . بقوّة ، يقول : بجدّ . كما :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : خُذِ الكِتابَ بِقُوّةٍ قال : بجدّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد خُذِ الكِتابَ بِقُوّةٍ قال : بجدّ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يا يَحْيَى خُذِ الكِتابَ بِقُوّةٍ قال : القوّة : أن يعمل ما أمره الله به ، ويجانب فيه ما نهاه الله .
قال أبو جعفر : وقد بيّنت معنى ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا ، في سورة آل عمران ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله : وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّا يقول تعالى ذكره : وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال . وقد :
حدثنا أحمد بن منيع ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرني معمر ، ولم يذكره عن أحد في هذه الاَية وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّا قال : بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خُلِقتُ ، فأنزل الله : وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيّا .
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود { يا يحيى } ، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه . و { الكتاب } التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس . وقوله { بقوة } أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال { وآتيناه الحكم صبياً } ، واختلف في { الحكم } فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها ، و { صبياً } يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول . وقال الحسن { الحكم } النبوة ، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال ، وقال فرقة { الحكم } الحكمة ، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب . وقال ابن عباس : من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن «أوتي الحكم صبياً » ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.