وقوله - سبحانه - : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ } بيان إجمالى لحال المكذبين بالساعة عند قيامها ، بعد بيان بعض أشراطها .
والظرف متعلق بمحذوف . والحشر : الجمع ، قالوا والمراد بهذا الحشر : حشر الكافرين إلى النار ، بعد حشر الخلائق جميعها ، والفصل بينهم .
والفوج : يطلق فى الأصل على الجماعة التى تسير بسرعة ، ثم توسع فيه فصار يطلق على كل جماعة ، وإن لم يكن معها مرور أو إسراع .
وقوله : { يُوزَعُونَ } من الوزع . بمعنى الكف والمنع ، يقال : وزعه عن الشىء ، إذا كفه عنه ، ومنعه من غشيانه ، والوازع فى الحرب ، هو الموكل بتنظيم الصفوف ، ومنع الاضطراب فيها .
والمعنى : واذكر - أيها العاقل لتعتبر وتتعظ - يوم { نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم { فَوْجاً } .
أى : جماعة من الذين كانوا يكذبون فى الدنيا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أى : فهم يقفون بين أيدينا ، داخرين صاغرين ، بحيث لا يتقدم أحد منهم على أحد ، وإنما يتحركون ويساقون إلى حيث نريد منهم ، ويتجمعون جميعا ليلقوا مصيرهم المحتوم .
وأفرد - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالذكر . - مع أن الحشر يشمل الناس جميعا - لإبراز الحال السيئة التى يكونون عليها عندما يجمعون للحساب دون أن يشذ منهم أحد ، ودون أن يتحرك أولهم حتى يجتمع معه آخرهم . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتّىَ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم نجمع من كلّ قرن وملة فوجا ، يعني جماعة منهم ، وزمرة مِمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا يقول : ممن يكذّب بأدلتنا وحججنا ، فهو يحبس أوّلهم على آخرهم ، ليجتمع جميعهم ، ثم يساقون إلى النار . وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا مِمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ يعني : الشيعة عند الحشر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال : زمرة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : نَحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال : زمرة زمرة فَهُمْ يُوزَعُونَ .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مِمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ قال : يقول : فهم يدفعون .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : فَهُمْ يُوزَعُونَ قال : يحبس أوّلهم على آخرهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَهُمْ يُوزَعُونَ قال : وزعة تردّ أولاهم على آخرهم .
وقد بيّنت معنى قوله : يُوزَعُونَ فيما مضى قبل بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
المعنى واذكر يوم ، وهذا تذكير بيوم القيامة و { نحشر } نجمع ، و { من كل أمة } يريد من كل قرن من الناس متقدم ، لأن كل عصر لم يخل من كفرة بالله من لدن تفرق بني آدم ، و «الفوج » الجماعة الكثيرة من الناس والمعنى ممن حاله أنه مكذب بآياتنا ، و { يوزعون } معناه يكفون في السوق أي يحبس أولهم على آخرهم ، قال قتادة وغيره : ومنه وازع الجيش ، وفيه يقول عبد الشارق بن عبد العزى : [ الوافر ]
فجاؤوا عارضاً برداً وجئنا . . . كمثل السيل نركب وازعينا{[9082]}
انتصب { يوم } على تقدير ( اذكر ) فهو مفعول به ، أو على أنه ظرف متعلق بقوله { قال أكذبتم } مقدم عليه للاهتمام به . وهذا حشر خاص بعد حشر جميع الخلق المذكور في قوله تعالى بعد هذا { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض } [ النمل : 87 ] وهو في معنى قوله تعالى { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } [ يس : 59 ] فيحشر من كل أمة مكذبو رسولها .
والفوج : الجماعة من الناس . و { من } الداخلة على { كل أمة } تبعيضية وأما ( من ) الداخلة على { من يكذب } فيجوز جعلها بيانية فيكون فوج كل أمة هو جماعة المكذبين منها ، أي يحشر من الأمة كفارها ويبقى صالحوها . ويجوز جعل ( من ) هذه تبعيضية أيضاً بأن يكون المعنى إخراج فوج من المكذبين من كل أمة . وهذا الفوج هو زعماء المكذبين وأيمتهم فيكونون في الرعيل الأول إلى العذاب .
وهذا قول ابن عباس إذ قال : مثل أبي جهل والوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة يساقون بين يدي أهل مكة ، وكذلك يساق أمام كل طائفة زعماؤها . وتقدم تفسير { فهم يوزعون } في قصة سليمان من هذه السورة ( 17 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.