التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

ولما كان هذا القول قد جاء في غير أوانه ، وأن هذا الإِيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت ، فقد رد الله - تعالى - على فرعون بقوله - سبحانه - { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المفسدين } .

أى : آلآن تدعى الإِيمان حين يئست من الحياة ، وأيقنت بالموت ، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين في الأرض ، المصرين على تكذيب الحق الذي جاءكم به رسولنا موسى - عليه السلام - والظرف " آلآن " متعلق بمحذوف متأخر ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار .

وقوله : { وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } جملة حالية من فاعل الفعل المقدر ، أى : آلآن تدعى الإِيمان والحال أنك عصيت قبل وكنت من المفسدين .

قال الإِمام ابن كثير : " وهذا الذي حكاه الله - تعالى - عن فرعون من قوله هذا في حاله ذاك . من أسرار الغيب التي أعلم الله - تعالى - بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ،

ولهذا قال الإِمام أحمد بن حنبل - رحمه الله .

حدثنا سليما بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن على بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لما قال فرعون : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، قال جبريل لى يا محمد لو رأيتنى وقد أخذت حالا من حال البحر - أي طينا أسود من طين البحر - فدسسته في فمه مخافة أن تناله الرحمة " .

ورواه الترمذى ، وابن جرير ، وابن أبى حاتم في تفاسيرهم ، من حديث ، حماد بن سلمة وقال الترمذي : حديث حسن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

القول في تأويل قوله تعالى : { آلاَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره معرّفا فرعون قبح صنيعه أيام حياته وإساءته إلى نفسه أيام صحته ، بتماديه في طغيانه ومعصيته ربه حين فزع إليه في حال حلول سخطه به ونزول عقابه ، مستجيرا به من عذابه الواقع به لما ناداه وقد علته أمواج البحر وغشيته كرب الموت : آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وأنا مِنَ المُسْلِمِينَ له ، المنقادين بالذلة له ، المعترفين بالعبودية : الاَن تقرّ لله بالعبودية ، وتستسلم له بالذلة ، وتخلص له الألوهة ، وقد عصيته قبل نزول نقمته بك فأسخطته على نفسك وكنت من المفسدين في الأرض الصّادّين عن سبيله ؟ فهلاّ وأنت في مهل وباب التوبة لك منفتح أقررت بما أنت به الاَن مقرّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

{ الآن } أتؤمن الآن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار . { وقد عصيت قبل } قبل ذلك مدة عمرك . { وكنت من المفسدين } الضالين المضلين عن الإيمان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ءَآلۡـَٰٔنَ وَقَدۡ عَصَيۡتَ قَبۡلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (91)

وقوله تعالى { الآن وقد عصيت } الآية ، قال أبو علي : اعلم أن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أولها الهمزة فخففت الهمزة فإن في تخفيفها وجهين : أحدهما أن تحذف وتلقى حركتها على اللام وتقر همزة الوصل فيه فيقال الحمر وقد حكى ذلك سيبويه ، وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن أن ناساً يقولون لحمر فيحذفون الهمزة التي للوصل فمن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ]

وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة*** فبح لان منها بالذي أنت بائح{[6220]}

قرأ نافع في رواية ورش لم يختلف عنه «الآن » بمد الهمزة وفتح اللام ، وقرأ الباقون بمد الهمزة وسكون اللام وهمز الثانية ، وقرأت فرقة «الآن » بقصر الهمزة وفتح اللام وتخفيف الثانية وقرأ جمهور الناس «ألأْن » بقصر الأولى وسكون اللام وهمز الثانية .

قال القاضي أبو محمد : وقراءات التخفيف في الهمزة تترتب على ما قال أبو علي فتأمله ، فإن الأولى على لغة من يقول الحمر ، وهذا على جهة التوبيخ له والإعلان بالنقمة منه ، وهذا اللفظ يحتمل أن بكون مسموعاً لفرعون من قول ملك موصل عن الله وكيف شاء الله ، ويحتمل أن كون معنى هذا الكلام معنى حاله وصورة خزيه ، وهذه الآية نص في رد توبة المعاين .


[6220]:- البيت غير منسوب، والشاهد فيه كلمة (الآن) التي تنطق (لآن) على النحو الذي وضحه أبو علي الفارسي، وقد نقل ابن خالويه عن اللغويين السبب في بناء (الآن) مع أن فيه الألف واللام، قال سيبويه: (الآن) إشارة إلى وقت أنت فيه بمنزلة (هذا) والألف واللام تدخل لعهد قد تقدم، فلما دخلت هاهنا لغير عهد ترك مبنيا. وقال المبرد: معرفته وقعت قبل نكرته وليس يشركه غيره في التسمية، فتكون الألف واللام معرفة له، وإنما تعني به الوقت الذي أنت فيه من الزمان، فلذلك بُني. وقال الفراء: أصله أوان، فقلبت الواو ألفا فصار (أأان) ودخلت الألف واللام على مبني فلم تغيره عن بنائه. (راجع الحجة في القراءات لابن خالويه، ومعاني القرآن للفراء).