وبعد أن أبطل - سبحانه - عبادة غيره بهذا الأسلوب المنطقى الحكيم ، صرح بأنه لا معبود بحق سواه ، فقال : { إلهكم إله وَاحِدٌ } .
أى إلهكم المستحق للعبادة والطاعة هو إله واحد لا شريك له ، لا فى ذاته ولا فى صفاته : فأخلصوا له العبادة ، ولا تجعلوا له شركاء .
ثم بين - سبحانه - الأسباب التى جعلت المشركين يصرون على كفرهم ويستحبون العمى على الهدى ، فقال - تعالى - : { فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } .
أى : فالكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وما فيها من ثواب وعقاب قلوبهم منكرة للحق ، جاحدة لنعم الله ، منصرفة عن وحدانية الله - تعالى - وعن الأدلة الدالة عليها ، وحالهم فوق ذلك أنهم مستكبرون مغرورون ، لا يستمعون إلى موعظة واعظ ، ولا إلى إرشاد مرشد . ومتى استولت على إنسان هاتان الصفتان - الجحود والاستكبار - ، حالفه البوار والخسران ، وآثر سبيل الغى على سبيل الرشد .
والتعبير عن المشركين بالموصول وصلته { فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة . . } دون التصريح بذواتهم ، لاشتهارهم بتلك الصفات القبيحة ، وللإِيمان بأن عدم إيمانهم بالآخرة ، هو أساس خيبتهم ، وخسرانهم وجحودهم . . .
وعبر بالجملة الاسمية فى قوله { قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } للدلالة على تأصل صفتى الجحود والاستكبار فى قلوبهم ، وعلى أن الإِنكار للحق سمة من سماتهم التى لا يتحولون عنها مهما وضحت لهم الأدلة على بطلانها ، وعلى أن التعالى والغرور لا ينفك عنهم ، وأنهم ممن قال - سبحانه - فيهم :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين }
القول في تأويل قوله تعالى : { إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ قُلُوبُهُم مّنكِرَةٌ وَهُم مّسْتَكْبِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : معبودكم الذي يستحقّ عليكم العبادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء معبود واحد ، لأنه لا تصلح العبادة إلا له ، فأفردوا له الطاعة وأخلصوا له العبادة ولا تجعلوا معه شريكا سواه . فالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالى ذكره : فالذين لا يصدّقون بوعد الله ووعيده ولا يقرّون بالمعاد إليه بعد الممات قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالى ذكره : مستنكرة لما نقص عليهم من قدرة الله وعظمته وجميل نعمة عليهم ، وأن العبادة لا تصلح إلا له والألوهة ليست لشيء غيره يقول : وهم مستكبرون عن إفراد الله بالألوهة والإقرار له بالوحدانية ، اتباعا منهم لما مضى عليه من الشرك بالله أسلافهم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لهذا الحديث الذي مضى ، وهم مستكبرون عنه .
{ إلهكم إله واحد } تكرير للمدعي بعد إقامة الحجج . { فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم مُنكِرة وهم مستكبرون } بيان لما اقتضى إصرارهم بعد وضوح الحق وذلك عدم إيمانهم بالآخرة ، فإن المؤمن بها يكون طالبا للدلائل متأملا فيما يسمع فينتفع به ، والكافر بها يكون حاله بالعكس وإنكار قلوبهم ما لا يعرف إلا بالبرهان إتباعا للأسلاف وركونا إلى المألوف ، فإنه ينافي النظر والاستكبار عن أتباع الرسول وتصديقه والالتفات إلى قوله ، والأول هو العمدة في الباب ولذلك رتب عليه ثبوت الآخرين .
لما تقدم وصف الأصنام جاء الخبر الحق بالوحدانية ، وهذه مخاطبة لجميع الناس معلمة بأن الله تعالى متحد وحدة تامة لا يحتاج لكمالها إلى مضاف إليها ، ثم أخبر عن إنكار قلوب الكافرين وأنهم يعتقدون ألوهية أشياء أخر ، ويستكبرون عن رفض معتقدهم فيها ، واطراح طريقة آبائهم في عبادتها ، ووسمهم بأنهم لا يؤمنون بالآخرة إذ هي أقوى رتب الكفر ، أعني الجمع بين التكذيب بالله تعالى وبالبعث ، لأن كل مصدق يبعث فمحال أن يكذب بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.