نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (22)

ولما كانت أدلة البعث قد ثبت قيامها ، واتضحت أعلامها ، وعلا منارها ، وانتشرت أنوارها ، ساق الكلام فيها مساق ما لا خلاف إلا في العلم بوقته مع الاتفاق على أصله ، لأنه من لوازم التكليف ، ولما اتضح بذلك كله عجز شركائهم ، أشار إلى أن منشأ العجز قبول التعدد ، إرشاداً إلى برهان التمانع ، فقال على طريق الاستئناف لأنه نتيجة ما مضى قطعاً : { إلهكم } أي أيها الخلق كلكم ، المعبود بحق { إله } أي متصف بالإلهية على الإطلاق بالنسبة إلى كل أحد وكل زمان وكل مكان { واحد } لا يقبل التعدد - الذي هو مثار النقص - بوجه من الوجوه ، لأن التعدد يستلزم إمكان التمانع المستلزم للعجز المستلزم للبعد عن رتبة الإلهية { فالذين } أي فتسبب عن هذا أن الذين { لا يؤمنون بالآخرة } أي دار الجزاء ومحل إظهار الحكم الذي هو ثمرة الملك والعدل الذي هو مدار العظمة { قلوبهم منكرة } أي جاهلة بأنه واحد ، لما لها من القسوة لا لاشتباه الأمر - لما تقدم في هود من أن مادة " نكر " تدور على القوة وهي تستلزم الصلابة فتأتي القسوة { وهم } أي والحال أنهم بسبب إنكار الآخرة { مستكبرون * } أي صفتهم الاستكبار عن كل ما لا يوافق أهواءهم وهو طلب الترفع بالامتناع من قبول الحق أنفة من أهله ، فصاروا بذلك إلى حد يخفى عليهم معه الشمس كما قال تعالى :

{ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون }[ هود : 20 ] وربما دل { مستكبرون } على أن { منكرة } بمعنى " جاحدة ما هي به عارفة " .