التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (22)

{ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون 19 والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون 20 أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون 21 إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون 22 لا جرم {[1240]} أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين 23 } [ 19-23 ] .

والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا ، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة . وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين . والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين .

ولقد علقنا على موضوع عدم إيمان الكفار بالآخرة وعدم خوفهم منها في سياق سورة المدثر فلا نرى ضرورة للإعادة بمناسبة ما جاء في الآية [ 22 ] من ذلك إلا التنبيه إلى ما تضمنته العبارة القرآنية هنا من تعليل لتناقض الكفار المشركين الذين كانوا يؤمنون بوجود الله وكونه الخالق الرازق النافع الضار وحده حيث كان عدم إيمانهم بالآخرة هو الذي يحملهم على الجحود برسالة النبي والقرآن واستكبارهم عنهما .

هذا ، ولقد أورد البغوي في سياق هذه الآية حديثا رواه بطرقه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان . فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس ) وهذا الحديث مما رواه مسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود أيضا {[1241]} .

والاستكبار المذكور في الآية على ما تلهمه روحها وسياقها هو الاستكبار عن الدعوة النبوية ، غير أن التفسير الذي جاء في الحديث يجعله مما يتناول هذا أيضا . ويلمح في الحديث حكم نبوية عديدة من وعد وبشرى للمؤمن ووعيد رهيب للمتكبرين ومن توضيح لمعنى الكبر المحرم ومن رفع الحرج عن رغبة المرء في أن يبدو ذا هيئة حسنة في حياته ومظهره إذا لم يكن في ذلك بطر للحق وغمط للناس .


[1240]:المصدر نفسه.

[1241]:انظر التاج ج 5 ص 30.