التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ} (22)

وبعد أن أبطل - سبحانه - عبادة غيره بهذا الأسلوب المنطقى الحكيم ، صرح بأنه لا معبود بحق سواه ، فقال : { إلهكم إله وَاحِدٌ } .

أى إلهكم المستحق للعبادة والطاعة هو إله واحد لا شريك له ، لا فى ذاته ولا فى صفاته : فأخلصوا له العبادة ، ولا تجعلوا له شركاء .

ثم بين - سبحانه - الأسباب التى جعلت المشركين يصرون على كفرهم ويستحبون العمى على الهدى ، فقال - تعالى - : { فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } .

أى : فالكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وما فيها من ثواب وعقاب قلوبهم منكرة للحق ، جاحدة لنعم الله ، منصرفة عن وحدانية الله - تعالى - وعن الأدلة الدالة عليها ، وحالهم فوق ذلك أنهم مستكبرون مغرورون ، لا يستمعون إلى موعظة واعظ ، ولا إلى إرشاد مرشد . ومتى استولت على إنسان هاتان الصفتان - الجحود والاستكبار - ، حالفه البوار والخسران ، وآثر سبيل الغى على سبيل الرشد .

والتعبير عن المشركين بالموصول وصلته { فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة . . } دون التصريح بذواتهم ، لاشتهارهم بتلك الصفات القبيحة ، وللإِيمان بأن عدم إيمانهم بالآخرة ، هو أساس خيبتهم ، وخسرانهم وجحودهم . . .

وعبر بالجملة الاسمية فى قوله { قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } للدلالة على تأصل صفتى الجحود والاستكبار فى قلوبهم ، وعلى أن الإِنكار للحق سمة من سماتهم التى لا يتحولون عنها مهما وضحت لهم الأدلة على بطلانها ، وعلى أن التعالى والغرور لا ينفك عنهم ، وأنهم ممن قال - سبحانه - فيهم :

{ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين }

أى : صاغرين أذلاء .