التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ} (47)

ثم بين - سبحانه - مظاهر هذا الغرور والتكبر من فرعون وملئه فقال : { فقالوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } وهما موسى وهارون { وَقَوْمُهُمَا } أى : بنو إسرائيل الذين منهم موسى وهارون { لَنَا عَابِدُونَ } أى : مسخرون خاضعون منقادون لنا كما ينقاد الخادم لمخدومه .

فأنت ترى أن فرعون وملأه ، قد أعرضوا عن دعوة موسى وهارون ، لأنهما - أولاً - بشر مثلهم ، والبشرية - فى زعمهم الفاسد - تتنافى مع الرسالة والنبوة ، ولأنهما - ثانياً - من قوم بمنزلة الخدم لفرعون وحاشيه ، ولا يليق - فى طبعهم المغرور - أن يتبع فرعون وحاشيته من كان من هؤلاء القوم المستضعفين .

قال الآلوسى : " وقوله : { فقالوا } عطف على { استكبروا } وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار ، والمراد : فقالوا فيما بينهم . . . وثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله - تعالى - { بَشَراً سَوِيّاً } وعلى الجمع ، كما فى قوله : - تعالى - { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَداً . . . } ولم يئن { مِثْل } نظرا إلى كونه فى حكم المصدر ، ولو أفرد البشر لصح ، لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره ، وكذا لو ثنى المثل ، فإنه جاء مثنى فى قوله : { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين } ومجموعاً كما فى قوله : { . . . ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم } وهذه أحوالهم ، بناء على جهلهم بتفاصيل شئون الحقيقة البشرية ، وتباين طبقات أفرادها فى مراقى الكمال . . . ومن عجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر ، وقد رضى أكثرهم للإلهية بحجر . . . "

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَقَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ الْمُهْلَكِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فقال فرعون وملؤه : أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا فنتبعهما وَقَوْمُهُما من بني إسرائيل لَنا عابِدُونَ يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون ، يأتمرون لأمرهم ويدينون لهم . والعرب تسمي كل من دان الملك عابدا له ، ومن ذلك قيل لأهل الحِيرة : العباد ، لأنهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قال فرعون : أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا . . . الاَية ، نذهب نرفعهم فوقنا ، ونكون تحتهم ، ونحن اليوم فوقهم وهم تحتنا ، كيف نصنع ذلك ؟ وذلك حين أتوهم بالرسالة . وقرأ : وَتَكُونَ لَكُما الكِبْرياءُ فِي الأَرْضِ قال : العلوّ في الأرض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا وَقَوۡمُهُمَا لَنَا عَٰبِدُونَ} (47)

{ فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا } ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله { بشرا سويا } كما يطلق للجمع كقوله : { فإما ترين من البشر أحدا } ولم يئن المثل لأنه في حكم المصدر ، وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل ، فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما ، وكما ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفك برادة ، يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال ، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } { وقومهما } يعني بني إسرائيل . { لنا عابدون } خادمون منقادون كالعباد .