التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَذَٰلِكَ خَيۡرٞ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ} (62)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على البون الشاسع . بين النعيم المقيم الذى يعيش فيه عباد الله الملخصون . وبين الشقاء الدائم الذى يعيش فيه الكافرون ، فقال - تعالى - :

{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ . . . } .

اسم الإِشارة " ذلك " فى قوله - تعالى - : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم } يعود إلى نعيم الجنة الذى سبق الحديث عنه ، والذى يشمل الرزق المعلوم وما عطف عليه .

والاستفهام للتوبيخ والتأنيب . والنزل : ما يقدم للضيف وغيره من طعام ومكان ينزل به .

و " ذلك " مبتد ، و { خير } خبره ، و { نزلا } : تمييز لخير ، والخيرية بالنسبة لما اختاره الكفار على غيره ، والجملة مقول لقول محذوف .

وشجرة الزقوم هى شجرة لا وجود لها فى الدنيا ، وإنما يخلقها الله - تعالى - فى النار ، كما يخلق غيرها من أصناف العذاب كالحيات والعقاب .

وقيل : هى شجرة سامة متى مست جسد أحد تورم ومات ، وتوجد فى الأراضى المجدبة المجاورة للصحراء .

والزقوم : من التزقم ، وهو ابتلاع الشئ الكريه ، بمشقة شديدة .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين أذلك النعيم الدائم الذى ينزل به المؤمنون فى الجنة خير ، أم شجرة الزقوم التى يتبلغ بها الكافرون وهم فى النار ، فلا يجدون من ورائها إلا الغم والكرب لمرارة طعمها ، وقبح رائحتها وهيئتها .

ومعلوم نه لا خير فى شجرة الزقوم ، ولكن المؤمنين لما اختاروا ما أدى بهم إلى نعيم الجنة وهو الإِيمان والعمل الصالح ، واختار الكافرون ما أدى بهم إلى النار وبئس القرار ، قيل لهم ذلك على سبيل التوبيخ والتقريع ، لسوء اختيارهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَذَٰلِكَ خَيۡرٞ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ} (62)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ * إِنّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لّلظّالِمِينَ * إِنّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيَ أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنّهُ رُءُوسُ الشّيَاطِينِ * فَإِنّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة ، ورزقتهم فيها من النعيم خير ، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقُوم . وعُنِي بالنزل : الفضل ، وفيه لغتان : نُزُل ونُزْل يقال للطعام الذي له ريع : هو طعام له نُزْل ونُزُل . وقوله : أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الاَية قال المشركون : كيف ينبتُ الشجر في النار ، والنار تُحْرق الشجر ؟ فقال الله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا ، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ حتى بلغ فِي أصْلِ الجَحِيمِ قال : لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة ، فقالوا : ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله ما تسمعون : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال أبو جهل : لما نزلت إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ قال : تعرفونها في كلام العرب : أنا آتيكم بها ، فدعا جارية فقال : ائتيني بتمر وزُبْد ، فقال : دونكم تَزَقّموا ، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد ، فأنزل الله تفسيرها : أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ قال : لأبي جهل وأصحابه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمينَ قال : قول أبي جهل : إنما الزّقوم التمر والزبد أتَزَفّمه .

وقوله : طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين يقول تعالى ذكره : كأن طلع هذه الشجرة ، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها .

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «إنّها شَجَرَةٌ نابِتَةٌ فِي أصْلِ الجَحِيمِ » ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينُ قال : شبهه بذلك .

فإن قال قائل : وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين ، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما ، أو أحدَهما ، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الاَية من المشركين ، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم ، ولا برؤوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحدا منهما ؟ .

قيل له : أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها ، فقال لهم : شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ فلم يتركهم في عَماء منها . وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين ، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم : أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالاَية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء ، قال : كأنه شيطان ، فذلك أحد الأقوال . والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا ، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر ، وإياه عنى الراجز بقوله :

عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُ *** كمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ

ويروى عُجَيّزٌ . والثالث : أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس فإنّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ يقول تعالى ذكره : فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة ، لاَكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم ، فمالئون من زَقّومها بطونهم .