التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَنۡ أَدُّوٓاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ} (18)

ووصف - سبحانه - نبيه موسى بالكرم ، على سبيل التشريف له ، والإعلاء من قدره ، فقد كان - عليه السلام - كليما لربه ، ومطيعا لأمره ، ومتحليا بأسمى الأخلاق وأفضلها .

و { أَنْ } فى قوله - تعالى - { أَنْ أدوا إِلَيَّ عِبَادَ الله } مفسرة لأن مجئ الرسول إليهم يتضمن معنى القول . وقوله : { أدوا إِلَيَّ } بمعنى سلموا إلى ، أو ضموا إلى . .

قوله : { عِبَادَ الله } مفعول به . والمراد بهم بنو إسرائيل .

والمعنى : جاء إلى فرعون وقومه رسول كريم ، هو موسى - عليه السلام - ، فقال لهم : سلموا إلى نبى إسرائيل ، وأطلقوهم من الذل والهوان ، واتركوهم يعيشون أحرارا فى هذه الدنيا .

ويؤيد هذا المعنى قوله - تعالى - فى موضع آخر : { فَأْتِيَاهُ فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بني إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ . . } ويصح أن يكون المراد بقوله { أَنْ أدوا إِلَيَّ } بمعنى : أن استجيبوا لدعوتى ، والمراد بالعباد : ما يشمل بنى إسرائيل وغيرهم ، ويكون لفظ { عِبَادَ الله } منصوب بحرف نداء محذوف .

وعليه يكون المعنى : أرسلنا إلى فرعون وقومه رسولا كريما ، فجاء إليهم وقال لهم على سبيل النصح والإِرشاد ، يا عباد الله ، إنى رسول الله إليكم ، فاستمعوا إلى قولى ، واتبعوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله - تعالى - وحده ، وترك عبادة غيره .

قال الآلوسى : قوله : { أَنْ أدوا إِلَيَّ عِبَادَ الله . . . } اى : أطلقوهم وسلموا إلى ، والمراد بهم بنو إسرائيل الذين كان فرعون يستعبدهم ، والتعبير عنهم بعباد الله ، للإِشارة إلى أن استعباده إياهم ظلم منه لهم . .

أو أدوا إلى حق الله - تعالى - من الإِيمان وقبول الدعوة يا عباد الله ، على أن مفعول { أدوا } محذوف ، وعباد منادى ، وهو عام لبنى إسرائيل والقبض والأداء بمعنى الفعل للطاعة - وقبول الدعوة .

.

وقوله - سبحانه - : { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } تعليل لما تقدم . أى : استجيبوا لدعوتى ، وأطيعوا أمرى ، فإنى مرسل من الله - تعالى إليكم ، وأمين على الرسالة ، لأنى لم أبدل شيئا مما كلفنى به ربى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَنۡ أَدُّوٓاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِۖ إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ} (18)

وقوله : أن أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ يقول تعالى ذكره : وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إليّ ، ومعنى «أدوا » : ادفعو إليّ فأرسلوا معي واتبعونِ ، وهو نحو قوله : أنْ أرْسِلْ مَعِيَ بَنِي أسْرَائِيلَ فإن في قوله : أنْ أدّوا إليّ نصب ، وعباد الله نصب بقوله : أدّوا وقد تأوله قوم : أن أدّوا إليّ يا عباد الله ، فعلى هذا التأويل عباد الله نصب على النداء . وبنحو الذي قلنا في تأويل أنْ أدّوا إليّ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ . أن أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ إنّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ قال : يقول : اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال : أرسلوا معي بني إسرائيل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال : بني إسرائيل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ يعني به بني إسرائيل ، قال لفرعون : علام تحبس هؤلاء القوم ، قوما أحرارا اتخذتهم عبيدا ، خلّ سبيلهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال : يقول : أرسل عباد الله معي ، يعني بني إسرائيل ، وقرأ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرَائِيلَ وَلا تَعذّبهم قال : ذلك قوله : أنْ أدّوا إليّ عِبادَ اللّهِ قال : ردّهم إلينا .

وقوله : إنّي لَكُمْ رَسُولٌ أمِينٌ يقول : إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به ، أمين : يقول : أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم .