ثم حكى القرآن بعض مقترحاتهم المتعنتة ورد عليها بما يدحضها فقال :
{ وَقَالُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } .
أى : قال الكافرون للنبى صلى الله عليه وسلم هلا كان معك ملك يا محمد لكى يشهد بصدقك ونسمع كلامه ، ونرى هيئته ، وحينئذ نؤمن بك ونصدقك .
قال محمد بن إسحاق " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - قومه إلى الإسلام ، وكلمهم فأبلغ إليهم ، فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب والنضر بن الحارث بن كلده ، وعبد بن يغوث وأبى بن خلق بن وهب والعاص بن وائل بن هشام : لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويروى معك " .
فهم لا يريدون ملكا لا يرونه ، وإنما يريدون ملكا يمشى معه ويشاهدونه بأعينهم .
وأسند - سبحانه - القول إليهم مع أن القائل بعضهم ، لأنهم جميعا متعنتون جاحدون ، وما يصدر عن بعضهم إنما هو صادر فى المعنى عن جميعهم لأن الباعث واحد ، ولولا هنا للتحضيض فلا تحتاج إلى جواب .
أى : وقال الكافرون للنبى صلى الله عليه وسلم هلا كان معك ملك يا محمد لكى يشهد بصدقك ونسمع كلامه ، ونرى هيئته ، وحينئذ نؤمن بك ونصدقك .
وقد رد الله تعالى - على قولهم هذا بردين حكيمين :
أما الرد الأول : فقال فيه : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } .
أى : لو أنزلنا ملكا كما اقترح هؤلاء الكافرون وهم على ما هم عليه من الكفر والجحود ، لقضى الأمر بإهلاكهم ، ثم لا ينظرون ، أى : لا يؤخرون ولا يمهلون ليؤمنوا ، بل يأخذهم العذاب عاجلا ، فقد مضت سنة الله فيمن قبلهم ، أنهم كانوا إذا اقترحوا آية وأعطوها ولم يؤمنوا يعذبهم الله بالهلاك ، والله - تعالى - لا يريد أن يهلك هذه الأمة التى بعث فيها خاتم رسله نبى الرحمة صلى الله عليه وسلم بسبب إجابة مقترحات أولئك المعاندين المستكبرين .
{ وَقَالُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لّقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لاَ يُنظَرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء المكذّبون بآياتي العادلون بي الأنداد والاَلهة : يا محمد لك لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيتي ، وإذا أتيتهم من الاَيات والعبر بما أتيتهم به واحتججت عليهم بما احتججت عليهم مما قطعت به عذرهم : هلاّ نزل عليك ملك من السماء في صورته يصدقّك على ما جئنا به ، ويشهد لك بحقيقة ما تدّعي من أن الله أرسلك إلينا كما قال تعالى مخبرا عن المشركين في قيلهم لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم : وقَالُوا ما لِهَذَا الرّسُولِ يَأْكُلُ الطّعامِ ويَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لا يَنْطُرُونَ يقول : ولو أنزلنا مَلَكا على ما سألوا ثم كفروا ولم يؤمنوا بي وبرسولي ، لجاءهم العذاب عاجلاً غير آجل ، ولم ينظروا فيؤخروا بالعقوبة مراجعة التوبة ، كما فعلت بمن قبلهم من الأمم التي سألت الاَيات ثم كفرت بعد مجيئها من تعجيل النقمة وترك الإنظار . كما :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لا يَنْطُرُونَ يقول : لجاءهم العذاب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لا يَنْطُرُونَ يقول : ولو أنهم أنزلنا إليهم ملكا ثم لم يؤمنوا لم ينظروا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ في صورته ، وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ لقامت الساعة .
حدثنا ابن وكيع ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن سفيان الثوري ، عن عكرمة : لقُضِيَ الأمْرُ قال : لقامت الساعة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ قال : يقول : لو أنزل الله مَلَكا ثم لم يؤمنوا ، لعجل لهم العذاب .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : أخبرنا بشر ، عن عمار ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَوْ أنْزَلْنَا مَلَكا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمّ لا يَنْطُرُونَ قال : لو أتاهم ملك في صورته لماتوا ، ثم لم يؤخروا طرفة عين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.