البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ} (8)

{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } وظاهر الآية يقتضي أنها في كفار العرب ، وذكر بعض الناس أنها في أهل الكتاب والضمير في { عليه } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى { ملك } نشاهده ويخبرنا عن الله تعالى بنبوته وبصدقه ، و { لولا } بمعنى هلا للتحضيض وهذا قول من تعنت وأنكر النبوات .

{ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر } أي { ولو أنزلنا } عليه { ملكاً } يشاهدونه لقامت القيامة قاله مجاهد .

وقال ابن عباس وقتادة والسدّي : في الكلام حذف تقديره { ولو أنزلنا ملكاً } فكذبوه { لقضي الأمر } بعذابهم ولم يؤخروا حسب ما سلف في كل أمة .

وقالت فرقة : معنى { لقضي الأمر } لماتوا من هول رؤية الملك في صورته ، ويؤيد هذا التأويل ولو جعلناه ملكاً إلى آخره فإن أهل التأويل مجمعون على أنهم لم يكونوا ليطيقوا رؤية الملك في صورته .

وقال ابن عطية : فالأولى في { لقضي الأمر } أي لماتوا من هول رؤيته .

وقال الزمخشري : لقضي أمر إهلاكهم .

{ ثم لا ينظرون } بعد نزوله طرفة عين إما لأنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته ، وهي أنه لا شيء أبين منها وأيقن ، ثم لا يؤمنون كما قال ولو إننا نزلنا إليهم الملائكة لم يكن بد من إهلاكهم كما أهلك أصحاب المائدة ، وأما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة ، فيجب إهلاكهم وإما لأنهم إذا شاهدوا ملكاً في صورته زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ؛ انتهى .

والترديد الأول بإما قول ابن عباس ، والثالث قول تلك الفرقة ، وقوله : كما أهلك أصحاب المائدة ، لأنهم عنده كفار وقد تقدّم الكلام فيهم في أواخر سورة العقود ، وذكر أبو عبد الله الرازي الأوجه الثلاثة التي ذكرها الزمخشري ببسط فيها .

وقال التبريزي في معنى { لقضي الأمر } قولان : أحدهما : لقامت القيامة لأن الغيب يصير عندها شهادة عياناً .

الثاني : الفزع من إهلاكهم لأن السنة الإلهية جارية في إنزال الملائكة بأحد أمرين : الوحي أو الإهلاك ، وقد امتنع الأول فيتعين الثاني ؛ انتهى .

فعلى هذا القول يكون معنى قوله { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } أي بإهلاكنا .

قال الزمخشري : ومعنى ثم بعدما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار أشد من قضاء الأمر ، لأن مفاجأة الشدّة أشد من نفس الشدّة ؛ انتهى .