الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ} (8)

قوله سبحانه : { وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ }[ الأنعام :8 ] .

أي : يصدّق محمداً في نُبُوءَتِهِ ، ثم رَدَّ اللَّه عليهم بقوله : { وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأمر } قال ابن عَبَّاسٍ وغيره : في الكلام حَذْفٌ ، تقديره : ولو أنزلنا مَلَكاً ، فكذبوه ( لَقُضِيَ الأمر ) بعَذَابِهِمْ ، ولم يُنْظَرُوا حسبما سَلَفَ في كل أمة اقْتَرَحَتْ بآية ، وكذبت بعد أن أُظْهِرَتْ إليها .

وقالت فرقة : { لَقُضِيَ الأمر } أي : لَمَاتُوا من هَوْلِ رؤية المَلَكِ في صورته ، ويؤيد هذا التَّأْوِيلَ ما بعده من قوله : { وَلَوْ جعلناه مَلَكاً لجعلناه رَجُلاً } فإن أَهْلَ التأويل مُجْمِعُونَ أن ذلك ، لأنهم لم يكونوا يُطِيقُونَ رؤية المَلَكِ في صورته ، فإذ قد تَقَعَّدَ أنهم لا يطيقون رُؤْيَةَ المَلَكِ في صورته ، فالأولى في قوله : { لَقُضِيَ الأمر } أي : لماتوا ، لِهَوْلِ رؤيته ، { ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } ، أي : لا يُؤَخَّرُونَ .

ومما يؤيد هذا المعنى الحَدِيثُ الوَارِدُ عن الرجلين اللذين صَعَدَا على الجَبَلِ يوم بَدْرٍ ليريا ما يَكُونُ في حَرْبِ النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين ، فَسَمِعَا حِسَّ الملائكة ، وقَائِلاً يقول في السحاب : أَقْدِمْ حَيْزُومُ ، فانكشف قِنَاعُ قَلْبِ أحدهما ، فمات لِهَوْلِ ذلك ، فكيف برؤية مَلَكٍ في خِلْقَتِهِ .