التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

وقوله - سبحانه - : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } جواب الشرط ، و " أخبارها " مفعول ثان لقوله : { تُحَدِّثُ } والمفعول الأول محذوف . أى : إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها . وقال الإِنسان ماذا حدث لها ، عندئذ تحدِّثُ الأرضُ الخلائقَ أخبارَها ، بأن تشهد للطائع بأنه كان كذلك ، وتشهد الفاسق بأنه كان كذلك .

أخرج الإِمام أحمد والترمذى والنسائى عن أبى هريرة قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } ثم قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عُمِل على ظهرها ، بأن تقول : عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا . فهذه أخبارها . " .

والظاهر أن هذا التحديث من الأرض على سبيل الحقيقة ، بأن يخلق الله - تعالى - فيها حياة وإدراكا ، فتشهد بما عمل عليها من عمل صالح أو طالح ، كما تشهد على من فعل ذلك .

وقيل : هذا مثل ضربه الله - تعالى - والمقصود منه أن كل إنسان فى هذا اليوم سيتبين جزاء عمله ، وما أعده الله - تعالى - له على ما قدم فى حياته الأولى ، ونظير ذلك أن تقول : إن هذه الدار لتحدثنا بأنها كانت مسكونة .

قال بعض العلماء ما ملخصه : قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } يومئذ بدل من إذا . أي : فى ذلك الوقت تحدثك الأرض أحاديثها ، وتحديث الأرض تمثيل - كما قال الطبري وغيره - أي : إن حالها وما يقع فيها من الانقلاب ، وما لم يعهد من الخراب ، يعلم السائل ويفهمه الخبر ، وأن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التى وضعها السنة الإِلهية ، حال استقرار نظام الكون ، بل ذلك بسبب { بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا} (4)

{ يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } يقول : يومئذٍ تحدّث الأرض أخبارها . وتحديثها أخبارها ، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود ، أن تتكلم فتقول : إن الله أمرني بهذا ، وأوحى إليّ به ، وأذِن لي فيه .

وأما سعيد بن جُبير ، فإنه كان يقول في ذلك ما :

حدثنا به أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، قال : سمعت سعيد بن جُبير يقرأ في المغرب مرّة : «يَوْمَئِذٍ تُنَبّىءُ أخْبارَها » ومرة : تُحَدّثُ أخْبارَها .

فكأنّ معنى تحدّث كان عند سعيد : تُنَبىء ، وتنبيئها أخبارَها : إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها . وهذا القول قول عندي صحيح المعنى ، وتأويل الكلام على هذا المعنى : يومئذٍ تبّين الأرض أخبارها بالزلزلة والرّجّة ، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها ، بوحي الله إليها ، وإذنه لها بذلك ، وذلك معنى قوله : { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَهَا بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها ، فألقَت ما فيها وتخلّت .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا } قال : أمرها .

وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك : «يَوْمَئِذٍ تُنْبّىءُ أخْبارَها » وقيل : معنى ذلك أن الأرض تحدّث أخبارها مَنْ كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي ، وما عملوا عليها من خير أو شرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : ما عمل عليها من خير أو شرّ ، { بأن ربك أوحى لها } ، قال : أعلمها ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخبْارَها } قال : ما كان فيها ، وعلى ظهرها من أعمال العباد .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أخْبارَها } قال : تخبر الناس بما عملوا عليها .

وقيل : عُنِي بقوله : { أوْحَى لَهَا } : أوحى إليها . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن سنان القزّاز ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن شبيب ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس { أوْحَى لَهَا } قال : أوحى إليها .