قوله تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى } أكثر المفسرين لم يفرقوا بين الضلال والغي ، والذي قاله بعضهم عند محاولة الفرق : أن الضلال في مقابلة الهدى ، والغي في مقابلة الرشد ، قال تعالى : { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا } وقال تعالى : { قد تبين الرشد من الغي } وتحقيق القول فيه أن الضلال أعم استعمالا في الوضع ، تقول ضل بعيري ورحلي ، ولا تقول غوى ، فالمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقا أصلا ، والغواية أن لا يكون له طريق إلى المقصد مستقيم يدلك على هذا أنك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السداد إنه سفيه غير رشيد ، ولا تقول إنه ضال ، والضال كالكافر ، والغاوي كالفاسق ، فكأنه تعالى قال : { ما ضل } أي ما كفر ، ولا أقل من ذلك فما فسق ، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } أو نقول الضلال كالعدم ، والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة ، وقوله { صاحبكم } فيه وجهان : ( الأول ) سيدكم ( والآخر ) مصاحبكم ، يقال صاحب البيت ورب البيت ، ويحتمل أن يكون المراد من قوله { ما ضل } أي ما جن ، فإن المجنون ضال ، وعلى هذا فهو كقوله تعالى : { ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون } فيكون إشارة إلى أنه ما غوى ، بل هو رشيد مرشد دال على الله بإرشاد آخر ، كما قال تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر } وقال : { إن أجري إلا على الله } وقوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } إشارة إلى قوله هاهنا { وما ينطق عن الهوى } فإن هذا خلق عظيم ، ولنبين الترتيب فنقول : قال أولا { ما ضل } أي هو على الطريق { وما غوى } أي طريقه الذي هو عليه مستقيم .
{ مَا ضَلَّ صاحبكم } أي ما عدل عن طريق الحق الذي هو مسلك الآخرة فهو استعارة وتمثيل لكونه عليه الصلاة والسلام على الصواب في أقواله وأفعاله { وَمَا غوى } أي وما اعتقد باطلاً قط لأن الغي الجهل مع اعتقاد فاسد وهو خلاف الرشد فيكون عطف هذا على { مَا ضَلَّ } من عطف الخاص على العام اعتناءاً بالاعتقاد ، وإشارة إلى أنه المدار .
وأما على الثالث فلأنه تنويه بشأن القرآن وتنبيه على مناط اهتدائه عليه الصلاة والسلام ومدار رشاده كأنه قيل : وما أنزل عليك من القرآن الذي هو علم في الهداية إلى مناهج الدين ومسالك الحق واليقين { مَا ضَلَّ } عنها محمد صلى الله عليه وسلم { وَمَا غوى } فهو من باب
. وثناياك أنها إغريض *** والخطاب لقريش وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان المصاحبة لهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة وإحاطتهم خبراً ببراءته صلى الله عليه وسلم مما نفى عنه بالكلية وباتصافه عليه الصلاة والسلام بغاية الهدى والرشاد فإن طول صحبتهم له عليه الصلاة والسلام ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً ففي ذلك تأكيد لإقامة الحجة عليهم ، واختلف في متعلق إذا قال بعضهم : فاوضت جار الله في قوله تعالى : { والنجم إِذَا هوى } [ النجم : 1 ] فقال : العامل فيه ما تعلق به الواو فقلت : كيف يعمل فعل الحال في المستقبل ؟ا وهذا لأن معناه أقسم الآن لا أقسم بعد هذا ، فرجع وقال : العامل فيه مصدر محذوف ، والتقدير وهوى النجم إذا هوى فعرضته على بعض المشايخ فلم يستحسن قوله الثاني ، والوجه تعلقه بأقسم وهو قد انسلخ عنه معنى الاستقبال وصار للوقت المجرد ونحوه آتيك إذا احمر البسر أي وقت احمراره ، وقال عبد القاهر : إخبار الله تعالى بالمتوقع يقام مقام الإخبار بالواقع إذ لا خلف فيه فيجري المستقبل مجرى المحقق الماضي ، وقيل : إنه متعلق بعامل هو حال من النجم ، وأورد عليه أن الزمان لا يكون خبراً ولا حالاً عن جثة كما هنا ، وأن { إِذَا } للمستقبل فكيف يكون حالاً إلا أن تكون حالاً مقدرة أو تجرد { إِذَا } لمطلق الوقت كما يقال بصحية الحالية إذا أفادت معنى معتداً به ، فمجيء الزمان خبراً أو حالاً عن جثة ليس ممنوعاً على الإطلاق كما ذكره النحاة ، أو النجم لتغيره طلوعاً وغروباً أشبه الحدث ، والإنصاف أن جعله حالاً كتعلقه بمصدر محذوف ليس بالوجه ، وإنما الوجه ، على ما قيل ما سمعت من تعلقه بأقسم منسلخاً عنه معنى الاستقبال وهو الذي اختاره في «المغنى » وتخصيص القسم بوقت الهوى ظاهر على الأخير من الأقوال الثلاثة ، وأما على الأولين فقيل : لأن النجم لا يهتدي به الساري عند كونه في وسط السماء ولا يعلم المشرق من المغرب ولا الشمال من الجنوب ، وإنما يهتدي به عند هبوطه ، أو صعوده مع ما فيه من كمال المناسبة لما سيحكى من التدلي والدنو ، وقيل : لدلالته على حدوثه الدال على الصانع وعظيم قدرته عز وجل كما قال الخليل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأكمل السلام { لا أُحِبُّ الافلين } [ الأنعام : 76 ] وسيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب تمام الكلام في تحقيق إعراب مثل هذا التركيب فلا تغفل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.