مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ} (2)

قوله تعالى : { ما ضل صاحبكم وما غوى } أكثر المفسرين لم يفرقوا بين الضلال والغي ، والذي قاله بعضهم عند محاولة الفرق : أن الضلال في مقابلة الهدى ، والغي في مقابلة الرشد ، قال تعالى : { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا } وقال تعالى : { قد تبين الرشد من الغي } وتحقيق القول فيه أن الضلال أعم استعمالا في الوضع ، تقول ضل بعيري ورحلي ، ولا تقول غوى ، فالمراد من الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقا أصلا ، والغواية أن لا يكون له طريق إلى المقصد مستقيم يدلك على هذا أنك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السداد إنه سفيه غير رشيد ، ولا تقول إنه ضال ، والضال كالكافر ، والغاوي كالفاسق ، فكأنه تعالى قال : { ما ضل } أي ما كفر ، ولا أقل من ذلك فما فسق ، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } أو نقول الضلال كالعدم ، والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة ، وقوله { صاحبكم } فيه وجهان : ( الأول ) سيدكم ( والآخر ) مصاحبكم ، يقال صاحب البيت ورب البيت ، ويحتمل أن يكون المراد من قوله { ما ضل } أي ما جن ، فإن المجنون ضال ، وعلى هذا فهو كقوله تعالى : { ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون } فيكون إشارة إلى أنه ما غوى ، بل هو رشيد مرشد دال على الله بإرشاد آخر ، كما قال تعالى : { قل ما أسألكم عليه من أجر } وقال : { إن أجري إلا على الله } وقوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } إشارة إلى قوله هاهنا { وما ينطق عن الهوى } فإن هذا خلق عظيم ، ولنبين الترتيب فنقول : قال أولا { ما ضل } أي هو على الطريق { وما غوى } أي طريقه الذي هو عليه مستقيم .